تتزايد الأصوات المحذِّرة في إسرائيل من أن غياب خيار «حل الدولتين» سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى قيام «دولة واحدة» تحت سيادة إسرائيلية، تكون شبيهة بدولة الفصل العنصري (الآبارتايد) التي سادت في جنوب أفريقيا. وفي ظل السياسة الأميركية الداعمة والمؤيدة لإسرائيل، كبرت الفجوة بين الفلسطينيين من جهة والأميركيين وإسرائيل من جهة ثانية، ولم يعد أحد يعول على حل مرضٍ للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي برغم تزايد الحديث عن ما أسماه الرئيس الأميركي (دونالد ترمب) «صفقة القرن». وعليه، بات العديد من السياسيين والمحللين والكتاب الإسرائيليين يدعون إلى الانفصال بغض النظر إن كان يؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة، محذرين في الوقت ذاته من دولة «ثنائية القومية». وفي ظل حكم اليمين المتطرف، لا يأتي الرفض لفكرة «الدولة الواحدة» بين النهر والبحر، التي يريدونها دولة قومية يهودية، وإنما يتركز الرفض على طبيعة هذه الدولة وأسس كيانها التي يرون فيها إلغاءً لمبادئ الحركة الصهيونية ولما يروجون له زوراً حول «الحقوق اليهودية التاريخية على الأرض»! فاليمين الإسرائيلي المتطرف يدرك خطورة هذه الفكرة على يهودية الدولة، فيما يحذر البعض القليل من اليسار من سذاجة محاولة تطبيق «الدولة الواحدة» التي ثبت فشلها في عديد من تجارب دول العالم، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وإندونيسيا، فيما تعاني اليوم دول أخرى، على رأسها إسبانيا والفلبين. مدير «مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي» الجنرال «أودي ديكل» قال بكل وضوح مبيناً خطر «الدولة الواحدة»: «كلما تعمَّقنا في التفاصيل فهمنا أن هذا الواقع غير المستقر سيثير سلسلة من الإشكالات وعدم القدرة على الوصول إلى الاتفاقيات والحفاظ على الهوية القومية والدينية للمجتمعين، بل وستصل الأمور إلى اندلاع الحرب الأهلية. وبناءً عليه، ينبغي أن نغير الاتجاه من الانزلاق إلى وضع الدولة الواحدة، التي فيها مجتمعان مختلفان في الهوية والحقوق إلى بناء ظروف الانفصال وتصميم واقع الدولتين». أما «يوحنان بلسنر» رئيس «المركز الإسرائيلي للديمقراطية»، فيقول: «في عام 1967 ضممنا القدس الشرقية وأعلنا نيتنا تحقيق رؤية المدينة الموحدة. ومن يعرف الواقع على الأرض يعلم أن هذا التوجه لم يتحقق، يعني أن الواقع يقول إننا لا نستطيع إقامة دولة يهودية ديمقراطية منصفة في واقع الدولة الواحدة التي ننزلق باتجاهها». وفي هذا السياق، خلص التقرير السنوي لـ«معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي إلى أنه «بالرغم من الوضع الاستراتيجي المريح نسبيا للقيادة الإسرائيلية لكي تواصل التهرب من المباحثات والقرارات الصعبة الضرورية لبلورة سياسة أمن قومي فعالة تدفع بمصالح إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وآمنة وشرعية وفي حدود معترف بها، وحتى لو لم يظهر في الطرف الثاني شريك للاتفاق أو لتطبيقه، فإن من مصلحة إسرائيل وقف الانزلاق التدريجي لواقع سلبي لا رجعة عنه نحو الدولة الواحدة». ومن دون مواربة، يؤكد الأكاديمي الإسرائيلي ورجل المخابرات والصحافي السابق «روني شاكيد» قائلًا: «نحن مذنبون. فحكومة نتنياهو تقودنا لدولة ثنائية القومية ومشروع المستوطنات خلق في الواقع دولة ثنائية القومية. إننا نحتاج للعيش مع الفلسطينيين، فإن رفضوا العيش معنا فلنفترق إذن». من جانبه، قال الكاتب «شاؤول اريئيلي»: «برغم جهود الاستيطان لمدة خمسين سنة منذ حرب الأيام الستة، إلا أن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية بعيد جداً عن تحقيق الهيمنة الديموغرافية أو المناطقية. فنسبة العرب في الضفة الغربية ما زالت تبلغ 82%، وفقط 11% من المستوطنات يبلغ عدد السكان فيها أكثر من 5 آلاف نسمة، وليس هناك في الضفة زراعة أو صناعة إسرائيلية مهمة، والكتل الإسرائيلية التي فيها هيمنة يهودية ديموغرافية ومناطقية تمتد بصعوبة على مساحة 4% من أراضي الضفة. ?ومن ?أجل ?أن ?تبقى ?إسرائيل ?هي ?إسرائيل، ?ديمقراطية ?مع ?أغلبية ?يهودية، ?يجب ?عليها ?تغيير ?مواقفها ?وملاءمتها ?مع ?التغيرات ?التي ?حدثت. ?وبقدر ?فهم ?واستيعاب ?هذه ?الفكرة ?من ?قبل ?الحكومة ?الإسرائيلية ?والمجتمع ?الإسرائيلي، ?سيوفرون ?سفك ?الدماء ?والموارد ?للطرفين ?إلى ?حين ?الانفصال ?الحيوي ?لكليهما»?. ? من ?جهته، ?قال ?رئيس ?«الموساد» ?السابق «تمير ?بادرو»: «?إسرائيل ?قررت ?ألا ?تختار، ?وتأمل ?بأن ?يحل ?الصراع ?نفسه ?يوماً ?ما، ?أو ?بأن ?يختفي ?العرب ?في ?معجزة ?كونية ?ما. ?إذا ?لم ?تقم ?إسرائيل ?بالعمل ?على ?الانفصال ?عن ?الفلسطينيين، ?سيفوق ?في ?نهاية ?المطاف ?عدد ?العرب ?في ?الضفة ?الغربية ?وقطاع ?غزة ?عدد ?اليهود، ?والذين ?قد ?يجدون ?أنفسهم ?أقلية ?متناقصة ?في ?الدولة ?اليهودية. ?في ?النهاية، ?سنصبح ?دولة ?ثنائية ?القومية، ?لأنه ?سيكون ?من ?المستحيل ?فك ?العقدة ?بين ?الشعبين. ?على ?إسرائيل ?أن ?تعمل ?على ?فصل ?نفسها. ?إسرائيل ?تواجه ?تهديداً ?وجودياً، ?وهو ?قنبلة ?موقوتة»?. في ظل «الدولة الواحدة» تظهر إشكاليات عديدة لا تخفى على الإسرائيليين، وهم يدركون خطورتها على وجود دولتهم؛ على رأسها استيعاب الفلسطينيين وما يتراكم على ذلك من أعباء اقتصادية، فضلاً عن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين. بل يمكننا أن نتساءل باستهزاء عن ذلك الجيش الذي سيمثل الدولة ومن سيخدم فيه؟! هل سيبقى قانون التجنيد الإلزامي المنتهج في إسرائيل الذي لا ينطبق على العرب على حاله؟! وهل يمكن للعرب أن يتطوعوا للجيش الإسرائيلي، أو يتجندوا للشاباك والموساد وبقية المؤسسات الحساسة؟! وغير ذلك من الأسئلة.. كثير. فعلامات الاستفهام تطرح كلما ذكر حل «الدولة الواحدة» ثنائية القومية في فلسطين التاريخية. وإسرائيل تعرف جيداً أن دولة ثنائية القومية تعني نهاية الحلم الصهيوني في إقامة دولة يهودية نتيجة النمو الديموغرافي الفلسطيني، وبالتالي لن يُسمح لهكذا سيناريو أن يتحقق. هذا أولًا، وثانياً، من يضمن أن إسرائيل الدولة القوية لن تقضي في ظل الدولة الواحدة على أحلام الفلسطينيين بالمساواة أو الازدهار؟ وما الذي سيمنع من سيطرة اليهود على مجالات الحياة كافة داخل هذه الدولة، ما يحيلها إلى دولة احتلال تحت غطاء جديد؟!