أخيراً استمعنا من على منصة منظمة «إيباك» اليهودية في الولايات المتحدة، يوم الاثنين الماضي، إلى صوتين يهوديين يناديان بحل الدولتين وبحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وب«حق الشعب الإسرائيلي في أن يعيش في دولة ذات أغلبية يهودية ديمقراطية لا دولة احتلال قمعية عنصرية». الصوت الأول هو صوت يهودي أميركي بارز ومؤثر، هو صوت «هوفارد كور» المدير التنفيذي لأهم منظمة يهودية تدعم إسرائيل في الولايات المتحدة. قال «كومر» إن السلام مهم لإسرائيل لأنه لا يمكن ضمان الأمن لها بشكل كامل ما لم تتعايش مع جيرانها، وإن على الجميع العمل من أجل بناء مستقبل يستند إلى وجود دولتين لشعبين، واحدة يهودية تتمتع بحدود آمنة وقابلة للدفاع عنها، وأخرى للشعب الفلسطيني لها علمها ومستقبلها. وبالإضافة إلى هذا عبّر «كومر» عن مشاعر الأسى للظروف التي تعرقل تحقيق هذا الحلم. لقد تعرّض كومر بسبب تصريحاته المتزنة والعاقلة هذه، لموجة انتقادات شديدة من جانب اليمين الإسرائيلي ومن شخصيات حكومية إسرائيلية مثل تسيبى حطوفلى نائبة وزير الخارجية ويهودا جليك أحد زعماء الاستيطان في الكنيست، وقال آخر إن على كومر إذا أراد أن يمثل موقف الحكومة الإسرائيلية أن يكون صادقاً. لقد أدت هذه الانتقادات من جانب أوساط اليمين إلى حالة تندر من بعض المراقبين الذين تساءلوا: أين هو موقف الحكومة الإسرائيلية هذا الذي يدعو اليمين إلى تمثيله بصدق؟ إن هؤلاء المتندرين على حق، ذلك أن نتنياهو عندما صعد لأول مرة إلى منصب رئيس الوزراء في أعقاب اغتيال رابين عام 1996 كان يؤمن بشعار «ليكود» (بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هي دولة إسرائيل)، ويرى أن الحل النهائي يتمثل في ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل مع منح الشعب الفلسطيني حكماً ذاتياً إدارياً تحت السيطرة الإسرائيلية. وعندما صعد للسلطة بعد ذلك بأكثر من عقد ألقى خطاباً في جامعة «بار إيلان» أعلن فيه اعترافه بحل الدولتين، وكان ذلك في عهد أوباما الذي كان يضغط لتسوية النزاع. بعد ذلك نكص نتنياهو عن اعترافه بحل الدولتين وقال للناخبين إنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية طالما ظل في مقعد رئيس الوزراء. إن هذا التقلب لا يعطي لأي مراقب فرصة لتحديد موقف للحكومة الإسرائيلية ورئيسها. لقد انضمت صحيفة «تايمز أوف يسرائيل» إلى المندهشين لعدم وجود موقف محدد لحكومة نتنياهو لحل النزاع، مشيرة إلى أن بعض أعضاء الحكومة يؤيدون ضم الضفة جزئياً أو كلياً وبعضهم يؤيد حل الدولة الواحدة مع منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً وأنهم جميعاً لا يتحدثون عن حل الدولتين. هكذا نلاحظ أن صوت السلام اليهودي الأميركي المؤيد لإسرائيل لم يترك ليردد صداه وسارع اليمين إلى محاولة كتمه. أما الصوت الثاني الذي تردد على منصة «إيباك» فكان صوتَ يهودي إسرائيلي هي زعيم المعارضة في إسرائيل «آفي جاباى»، وهو رئيس حزب المعسكر الصهيوني المعارض. لقد طالب جاباي من أجل مصلحة إسرائيل بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين والسماح لهم بإقامة دولتهم المستقلة، وذلك ليضمن لإسرائيل جيرة آمنة وليضمن لها أيضاً أن تكون دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية. ما أرجوه أن يكون صدى هذين الصوتين قد وصل إلى إدارة ترامب.