في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل في واشنطن بشأن الإعلان المفاجئ للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استعداده للاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون أملا في تفادي أزمة نووية، ركز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارته خلال الآونة الأخيرة للبيت الأبيض وفي كلمته أمام لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية (ايباك) على خطر إيران. ويعتقد نتنياهو أن إيران تمثل أكثر التحديات خطورة على الغرب. وأكد نتنياهو في كلمته أمام «ايباك» على الضعف الكامن في الاتفاق النووي مع إيران المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» الذي تم إبرامه عام 2015. وعرض نتنياهو خريطة للشرق الأوسط أظهرت باللون الأسود حضور إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وكان غرضه من ذلك إظهار انتشار القوة والنفوذ الإيرانيين من الخليج إلى البحر المتوسط. وترى إسرائيل أن النشاط الإيراني المجاور لحدودها يمثل خطراً لعدة أسباب. فقد تحالفت إيران مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد و«حزب الله» اللبناني، وانضمت روسيا إليهم في الوقت الذي تراوغ فيه الولايات المتحدة بشأن دورها والتزامها بالتصدي لنظام الأسد. والانتصار النهائي لنظام الأسد على قوى المعارضة عزز مكانة أنصار النظام السوري، وخاصة إيران و«حزب الله» وروسيا. وأثناء الحرب، عززت إيران إمداداتها إلى «حزب الله» من الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى عمق إسرائيل. ومع توافر طريق بري آمن إلى سوريا من إيران عبر العراق، تستطيع طهران أن ترسخ وجودها في سوريا، وهذا يمثل تهديداً للوجود الإسرائيلي في هضبة الجولان التي تحتلها تل أبيب منذ عام 1967. صحيح أن إيران لن تغامر على الأرجح بخوض حرب برية مع إسرائيل في سوريا، لكن احتمال أن تمتلك طهران في نهاية المطاف برنامجاً كامل التكوين للأسلحة النووية قد يردع إسرائيل عن مهاجمة إيران مباشرة. وهذا ما يجعل الإسرائيليين قلقين بشأن صمود الاتفاق النووي الإيراني ويتساءلون، في حال امتلاك طهران قنبلة نووية، عن مدى تأثير قوتهم النووية في ردع نظام ديني عنيد ومتشدد دعا إلى إزالة إسرائيل من على خريطة العالم. وتتردد هذه المخاوف الأمنية في الولايات المتحدة وفي عدد من الدول العربية التي تنظر إلى القنبلة الإيرانية باعتبارها تهديداً أمنيا مباشرا وتشعر بالقلق من تأثيرها على انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. وفي الكونجرس، أبدى قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل، الثلاثاء الماضي، تأييده للاتفاق النووي مع إيران قائلا إن الاتفاق الذي هدد ترامب بالانسحاب منه، لعب دورا مهما في التعامل مع برنامج طهران النووي. وفوتيل هو قائد القوات المركزية الأميركية المسؤولة عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بما في ذلك إيران. وكان يتحدث خلال جلسة للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في اليوم الذي أقال فيه ترامب وزير خارجيته ريكس تيلرسون بعد سلسلة من الخلافات العلنية بشأن السياسة بما في ذلك حول إيران. وعندما سأل مشرِّعٌ فوتيل عما إذا كان يتفق مع وزير الدفاع جيم ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دنفورد في أن البقاء ضمن الاتفاق يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي، قال: «نعم أتفق مع موقفهما». والتزمت إيران بالاتفاق منذ تولى ترامب منصبه، لكنها وجهت تحذيرات دبلوماسية لواشنطن في الأسابيع الأخيرة. وأعلنت إيران يوم الاثنين أنها قد تخصب اليورانيوم بسرعة إلى درجة أعلى من النقاء إذا انهار الاتفاق. لكن إدارة ترامب تضع الأولوية الأولى لكوريا الشمالية التي أظهرت بالفعل قدرة كبيرة على إنتاج واختبار صواريخ طويلة المدى ورؤوس حربية نووية صممت لتثبت في صواريخ. ويوم الاثنين الماضي عبر مستشار الأمن القومي الأميركي «إتش. آر مكماستر» عن تفاؤل واشنطن إزاء وجود فرصة لعقد اجتماع بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون. وأوضح مكماستر أن بلاده مصممة في المقابل على مواصلة الضغط على بيونجيانج لنزع أسلحتها النووية. وصرح مكماستر للصحفيين بعد إفادة أمام مجلس الأمن الدولي قائلا: «ربما نكون قادرين على التوصل إلى حل دبلوماسي من أجل إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية نهائياً». وتشكل كوريا الشمالية خطرا واضحا على شرق آسيا بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان، ويرجح أن لديها القدرة حالياً على إطلاق صواريخ على أي مدينة كبيرة في الولايات المتحدة. وإيران لا تمتلك مثل هذه القدرات. وإذا استمر تطبيق الاتفاق النووي، فلن تستطيع إيران تطوير برنامجها لإنتاج رؤوس حربية بالكامل. لكن بسبب عدم تقييد برنامجها للصواريخ في اتفاق عام 2015، استمرت طهران في اختبار الصواريخ طويلة المدى التي يمكنها في نهاية المطاف أن تصل إلى الأراضي الأميركية. ورغم أن كوريا الشمالية وإيران بلدان مختلفان للغاية سواء في الحجم أو الموارد والتاريخ، لكنهما يشتركان في صفات تفسر طموحاتهما النووية. فكلا البلدين يعتقدان أن الولايات المتحدة وبلدانا أخرى تتمنى تغيير النظام الحاكم فيهما. وكلا البلدين يرى في هذا تهديدا لوجودهما وكلاهما يشير إلى أن نظام صدام حسين في العراق ونظام القذافي في ليبيا تمت الإطاحة بهما بعد أن تخليا عن تطوير قدراتهما النووية. وهذا السبب وحده كاف لأن نفترض أن أيا من البلدين لن يتخلى عن خياره النووي حتى لو كان لديهما الاستعداد لقبول قيود على برامجهما مقابل الحصول على حوافز مالية قوية ومعايير أمن دولية.