مع توالي التحقيقات والاعتقالات في ملفات الفساد التي تحيط برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعائلته والمقربين منه، يسعى نتنياهو للهروب من هذا المأزق عبر عدة مسارب يبرز معها السؤال المزدوج الأكثر إلحاحاً على المستوى السياسي، ألا وهو: هل باتت الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية قريبة؟ أم أن نتنياهو سيبقى على رأس عمله حتى الموعد الرسمي المحدد للدورة البرلمانية نهاية 2019؟ وما يزال نتنياهو يرفض الاستقالة، بل ويتلقى الدعم من قبل وزراء وأعضاء حزبه «الليكود»، مع مخاوف الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي من خسارة المكاسب «القومية» و«الدينية» التي حققوها، وكل ذلك في ظل نتائج استطلاعات الرأي المتتالية الصاعقة التي ما تزال تمنح «الليكود» بقيادة نتنياهو أكبر عدد من المقاعد، حيث كشف استطلاع جديد للقناة العبرية الثانية، أنه على الرغم من الأزمة على خلفية «قانون التجنيد» التي مر بها الائتلاف الحكومي وقضايا الفساد ضد نتنياهو، فإن حزب «الليكود» سوف يحصل على 30 مقعداً (مقابل 26 في الاستطلاع الأخير). كما أن الحزب زاد الفجوة بينه وبين حزب هناك مستقبل «يش عتيد» برئاسة يائير لبيد الذي حصل على 21 مقعدا (مقابل 22 بالاستطلاع السابق). فيما كانت المفاجأة في حزب إسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان حيث حصل على أربعة مقاعد فقط. وفي سؤال حول الشخصية المناسبة لترأس الحكومة، «لا يزال لدى نتنياهو تأييد كاسح، إذ يعتقد 36% أنه مناسب للمنصب، بينما يعتقد 12% أن يائير لبيد هو الأنسب». كما كشف الاستطلاع أن «54% من الإسرائيليين يعارضون تبكير الانتخابات للكنيست، وفقط 30% يؤيدون تبكيرها». أحدث «مسارب الهروب» هي، أولا، سفر نتنياهو إلى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) للمرة الخامسة في غضون عام منذ وصول الأخير إلى البيت الأبيض، حيث أتاحت له الزيارة إلقاء خطاب أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية «إيباك»، مع حصد أكبر مكاسب سياسية ممكنة تجعله يعود إلى تل أبيب، وقد حقق صورة المنتصر، الأمر الذي أسهم فعليا في تعزيز وضعه ووضع حزبه فيما لو هو ذهب نحو انتخابات مبكرة. بل إن نتنياهو وجه دعوة إلى ترامب لحضور مراسم تدشين السفارة الأميركية في القدس المحتلة. وبحسب صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من نتنياهو، قال مصدر سياسي إنه «إذا وصل ترامب إلى إسرائيل، بشكل خاص، أو في إطار زيارة إلى مكان آخر، فإن هذا سيعد إنجازاً لنتنياهو». أما ثاني مسارب نتنياهو للهروب من الوضع الراهن فتتجلى في ضغوطه المستمرة على الإدارة الأميركية للإسراع بالإعلان عن تفاصيل ما يسمى «صفقة القرن». فكلما تم تمرير صفقة القرن بشكل أسرع، شعر نتنياهو بالأمان السياسي والقانوني! وفي هذا السياق تحدث عن امتنان «الشعب اليهودي» لمن يقدم له «خدمات أمنية». وبالفعل، تحدثت الأنباء عن نية ترامب خلال الأسابيع المقبلة زيارة بعض الدول العربية لإقناعها بضرورة الإسراع في تنفيذ خطته للسلام استغلالًا لعامل الوقت. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن «مسؤولًا فلسطينيا كبيرا اجتمع أخيرا مع دبلوماسيين غربيين، أكد أن المعلومات التي حصل عليها الفلسطينيون تشير إلى أن إسرائيل تضغط على إدارة ترامب لنشر خطتها بسرعة». ويتمثل المسرب الثالث لنتنياهو في الهروب إلى إمكانية الحرب، وتركيز الإعلام والجمهور الإسرائيليين حول المسائل الأمنية، وهو ما يخدم نتنياهو بالدرجة الأولى. لذلك كان اقتراحه، بشكل مفاجئ، تمرير قانون يسمح له بإعلان حرب أو عملية عسكرية، دون الحاجة لموافقة الحكومة أو أغلبية أعضاء الكنيست، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الحكومات الإسرائيلية الـ34 السابقة. وبحسب الصحافة الإسرائيلية، فقد بدأ نتنياهو بالفعل هذه الخطوة، عبر التدريبات العسكرية التي يقوم بها جيش «الدفاع» الإسرائيلي بحيث تحاكي الحرب على قطاع غزة. وفوق كل ذلك، تهديد نتنياهو في مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا مؤخرا، بمهاجمة إيران بشكل مباشر، بالقول إن «إسرائيل لن تسمح بتاتا لإيران بأن تلفّ حبل الإرهاب حول أعناقنا. كما بادرت قبل أيام لنشر صور لقاعدة عسكرية ايرانية في محيط دمشق مما يعني رفع بطاقة تحذير صفراء وتهديدا لإيران». أما المسرب الرابع، فقد اتضح حين وجه نتنياهو، خوفاً من انسحاب أي من أحزاب الائتلاف الحكومي، إنذاراً إلى شركائه في الائتلاف، مستغلا أزمة «قانون التجنيد» التي تهدد بتفكك الحكومة (وهو القانون الذي يرتب الإعفاء من الخدمة العسكرية لتلاميذ المدارس الدينية، وللقانون الأساس الذي يضع قيمة تعلم التوراة فوق قيمة المساواة، ويمنع محكمة العدل العليا من شطب قانون التجنيد) مطالباً شركاء الائتلاف بالتوصل مع المتدينين إلى حل طويل المدى من شأنه أن يسمح باستمرار الحكومة حتى نهاية ولايتها الحالية، وإلا فإنه سوف يدفع نحو الخيار الآخر: الذهاب إلى انتخابات مبكرة، رغم أنه غير معني بإجراء انتخابات في المدى القريب. وبالفعل، نجح نتنياهو في تجاوز «عقدة ليبرمان» (المعادي للقانون، لكنه لم يقف ضد نتنياهو بسبب أدائه الضعيف في استطلاعات الرأي العام)، وقد ضمن مصادقة اللجنة الوزارية للتشريعات صباح الاثنين الفائت، على مشروع قانون إعفاء «الحريديم» من التجنيد والخدمة العسكرية، على أن يعرض على الكنيست للتصويت عليه بالقراءة التمهيدية، ومن ثم التصويت أيضا على ميزانية إسرائيل لعام 2019 (التي كانت محط خلاف شديد أيضا).. الأمر الذي يطوي ملف أزمة الائتلاف الحكومي وبالتالي استبعاد الانتخابات المبكرة. ?فهل ?تنجح «?مسارب ?الهروب» ?تلك ?في ?إنقاذ ?رأس نتنياهو؟ ?إنه ?سؤال ?كبير ?يبقى ?الجواب ?عليه ?برسم ?المستقبل.