قهوة «المخا» نكهة اليمن الفوَّاحة في قارات العالم منذ عقود، هي الأغلى، هي الأحلى، هي الأصالة، كأصالة العروبة الخالصة في جذورها. هذا المذاق الرفيع لحكمة «بلقيس» في حكمها لهذا الشعب منذ ألوف السنين، مرَّت على حضارة لم تمسها يد بشر بالدمار أو يجرؤ إنسان على المس في عراقتها الأبدية. «... أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ?نِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، «سورة النمل: الآيات 29 - 31». (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ...)، «الآية 24»، إلا أنها ملكت ميزان العدل مع الشعب والحنكة مع الآخر الذي قد يريد غزوها. تعود إلى المستشارين، فيردون (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيد...)، «الآية 33»، وهي ترجع إلى يمانية الحكمة لترد عليهم (... إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)، «الآية 35». «الحوثيون» انقلبوا على رمز العدالة الإلهية على بلقيس قبل هادي بقرون عدداً، واستكبروا في أرض اليمن استكبارا وغدوا خلال الثلاث سنوات الماضية جبابرة يستمدون قوتهم المزيفة من نيران فارس التي لم تطل حضارة اليمن قط، إلا في هذا الزمن «الحوثي» الذي تفنن في زراعة الموت في كل شبر من أرض اليمن. رأيت منظر طفل في «مرحلة الحضانة» وهو يجر من وراء ظهره «كلاشنكوفاً» بضعف طوله، ويتجبر عليه «الحوثي» ليقتل أخاه اليمني باسم «الحسين» الذي أضفوا عليه صفة «الألوهية» يحكمون باسم «طهران» وملاليها ويدرسون في «زينبياتهم» مناهج «قم» ويتسلحون بصواريخهم الباليستية، ومن ثم يدّعون أنهم جزء من الشعب اليمني الأصيل. ماذا فعل «الحوثي». والذي يتعامل مع براءة الطفولة بهذه الوحشية ماذا تنتظر منه في واقع الحال ومستقبل المآل، في علاقته مع جراءة الرجال، لقد تسببوا في تدمير كل ما هو قائم يصلي في المحراب أو يدرس في المدارس والجامعات بأمان أو يعالج من أمراضه في «البيمارستان» على لغة «الأسياد» من أهل طهران. فالغدر والخيانة يجريان في دماء «الحوثيين»، لقد ضحوا بحليفهم صالح وجعلوه قرباناً يقدمونه لأهل اليمن، بعد ثلاثة عقود من الوحدة والاستقرار الذي اختل مرات ست بسبب منهم وسوء فعال. لا يؤمنون بميثاق ولا عهد ولا أي شيء له علاقة بصناديق الانتخاب التي قلبوها على رأس الشرعية في وضح النهار ولم ينتظروا غروب الشمس حتى يفعلوا شنيعتهم في الأستار. لقد دار حوار ممل مطول ممدود لتسعين يوماً، وقفوا كالحجر الأصم بآذان صماء وألسنته بكماء، وقلوب مغلفة بالران، ومع ذلك يتباكون في منابرهم الإعلامية، ويطالبون بأن يترك التحالف العربي الساحة لهم وإن دخلوا في حرب أهلية كحرب لبنان وأفغانستان. سرَّاق اللقمة الإنسانية من فم كل يمني يريد أن يسد رمقه، فهو عليه حرام، والقوافل العابرة تختفي في الكهوف والمغارات، وقد وعدوا أهل اليمن في أول يوم للانقلاب بالمن والسلوى، وها هم يمنعون عنهم الثوم والبصل والعدس والقثاء، كما تمنى بنو إسرائيل منذ الزمن الأغبر. لقد حولوا خزائن المال في الدولة اليمنية ابتداءً من المصرف المركزي إلى قدور خالية وليست "راسية" كما في عهد سليمان، صادروا عن الشعب حقه في أبسط حاجياته من الغاز والوقود وبقية الضروريات، ومارسوا سياسة رفع الأسعار وشرّعوا قوانين للسوق السوداء لبيع الهواء لمن يريد التنفس، بإذن من الإمام الأعظم والمنتظر خروجه في آخر الزمان، فلم هذا الاستعجال وفي الوقت بقية من «الآل» يسبحون بحمدهم ويكبِّرونهم على الشعب المغتصب حقه. جاء التحالف العربي منقذاً بقرار من صاحب السيادة اليمنية وباستحقاقات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216 ومكانة دول مجلس التعاون لدى هذا الشعب الوفي لمن مد إليه يد العون واجباً حتماً وليس منةً أبداً. وها هم يُضيَّق عليهم الخناق وتضيق عليهم أرض اليمن ذاتها ويتراجعون عن ساحات الاحتلال «الحوثي» لليمن الأبي، ويخرجون من كهوفهم يطالبون بطاولة حوار يكونون أقراناً وأضداداً في ذات الوقت لبقية مكونات الشعب اليمني بقوة السلاح أولاً وبحكم «البابوات» الجدد هناك، فهلا لهم ذلك بعد أن وصلت «لقمة» أمان التحالف العربي إلى تلك الأرض، أرض «بلقيس» رمز الحكم العادل. وعندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وكانوا في ذات الوقت من نصارى نجران، فوصاه أن لا يكثر عليهم الواجبات والمطالبات وقال له مشدداً: «إياك وكرائم أموالهم»، وقد فتح معاذ اليمن العصية على الغزو بهذه الوصية على العالم أجمع، وجاء «الحوثي» اليوم لكي يغلق أبوابه باسم الدين الذي ما أنزل الله به من سلطان!