إعلان الرئيس دونالد ترامب أنه سيعين جون بولتون، السفير السابق في إدارة الرئيس بوش لدى الأمم المتحدة، ليكون مستشاره الجديد للأمن القومي، تسبب في كثير من الغضب في واشنطن، خاصة وسط جماعة السلك الدبلوماسي والأمن القومي. وبولتون متشدد في قضايا الأمن القومي، لكنه خلافاً لكثير من المسؤولين الذين عملوا مع ترامب، يتمتع بخبرة كبيرة في العمل البيروقراطي ويعرف كيفية عمل النظام. وهي الحقيقة التي تثير قلق المنتقدين. وكان ترامب مضطراً من قبل إلى الإنصات إلى البيانات السياسية المملة في الغالب، لكن الواضحة والبديهية عادةً، التي يدلى بها جماعة من الرجال العسكريين الذين عينهم، ومنهم جيمس ماتيس وزير الدفاع، والجنرال مكماستر في مجلس الأمن القومي، والجنرال جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض، والمدني المنضبط ريكس تيلرسون وزير الخارجية. وبفضل هذا الإنصات كان من الممكن أن يتم احتواء نوبات جنوح الرئيس الأكثر غضباً بشأن استخدام القوة العسكرية. لكن مع استعداد مكماستر للخروج وذهاب تيلرسون بالفعل، وبعد أن أصبح مستقبل كيلي تحيطه الشكوك.. فسيكون لدى ترامب ليس فقط بولتون المتشدد، بل أيضاً وزير الخارجية المعين مايك بومبيو وهو من الصقور أيضاً، باعتبارهما أكبر مستشاريه، ولم يبق إلا ماتيس لتقديم نصيحة متوازنة أقل ميلاً إلى الحرب. وهناك ثلاثة اختبارات تواجه الفريق الجديد ستحدد مقدار التأثير الذي سيتمتع به أعضاؤه في سياسات ترامب. وأول هذه الاختبارات: كوريا الشمالية. فلم يوضع رسمياً بعد جدول للمفاوضات المعلن عنها مع بيونج يانج بشأن برنامجها الصاروخي. وإذا ظلت تصريحات بولتون وبومبيو السابقة بشأن كوريا الشمالية كما هي، فمن غير المرجح حدوث أي انفراجة في العلاقات. وما دامت السياسة الأميركية معلقةً باستعداد كوريا الشمالية للتخلي عن صواريخها وبرنامجها النووي فسيكون هناك القليل من الأمل في التوصل إلى أي اتفاق جوهري. وفشل اجتماع القمة المتوقعة بين ترامب وكيم قد يجعل الأمور أشد سوءاً وقد يرفع احتمال حدوث ضربات استباقية ضد كوريا الشمالية، وهو موقف كتبه بولتون وذكره مراراً في تعليقاته لقناة «فوكس نيوز» الإخبارية التلفزيونية وفي مقالاته التي تنشرها الصحف من حين إلى آخر. وفي العام الماضي، تصاعدت حدة التوتر مع كوريا الشمالية لتصل إلى ذروتها، إذ هددت إدارة ترامب بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك الخيارات العسكرية عند التعامل مع بيونج يانج التي تواصل برنامجها للأسلحة في تحدٍ لعقوبات دولية أكثر صرامة. وكان كيم وترامب قد أثارا التوتر حول العالم العام الماضي، إذ دخلا في حرب كلامية حادة، مما عزز الخوف من نشوب حرب بعد عام نفذت فيه بيونج يانج سلسلة تجارب بهدف تطوير صاروخ برأس نووي يمكنه ضرب الولايات المتحدة في عقر دارها. ثم أعلن ترامب استعداده للاجتماع مع زعيم كوريا الشمالية. لكن الولايات المتحدة دأبت على القول بأنها تريد محادثات تفضي إلى تخلي بيونج يانج عن برنامجها للأسلحة النووية وبرنامجها الصاروخي. والتحدي الثاني يتمثل في كيفية التأثير على قرار ترامب التالي في شهر مايو بشأن ما إذا كان سيقر بأن إيران تذعن لـ«اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة» أو الاتفاق النووي الإيراني. وكان ترامب قد أعلن من قبل أنه لن يقر لإيران بذلك مرة أخرى، لكن الضغوط عليه من الحلفاء ومن وزير الدفاع ماتيس ومن وزير الخارجية تيلرسون.. جعلته يقر بذلك. وبسبب ما يُعرف عن بولتون وبومبيو من وجهات نظر متشددة للغاية تجاه إيران، فربما يتمكنان هذه المرة من تجاوز الخطاب الحذر لماتيس والحلفاء الأوروبيين. وفي هذه الحالة قد تجد الولايات المتحدة نفسها في مسار تصادمي مع إيران في ظل خيارات عسكرية مطروحة على الطاولة من جديد. وهذا الموقف قد يلقى ترحيباً في إسرائيل، لكنه سيلقى مقاومةً في أوروبا وروسيا والصين. وإذا انسحبت إيران نفسها من الاتفاق النووي، فلن يمر كثير من الوقت حتى يتسارع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرقها بما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة على المجتمع الدولي. وزعماء الاتحاد الأوروبي أكدوا التزامهم الكامل بالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وخمس دول أخرى من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا. لكن التكتل انتقد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والدور الذي تلعبه طهران في الشرق الأوسط، والذي يرى الغرب أنه دور يؤجج انعدام الاستقرار الإقليمي. وثالث اختبار كبير لبولتون وبومبيو يتعلق بروسيا؛ فهل يستطيعان إقناع ترامب بأن تقاعسه عن انتقاد الرئيس فلاديمير بوتين بسبب العدوان الروسي في أوروبا والتدخل في الانتخابات الأميركية، يمثل علامة واضحة على الضعف الأميركي؟ لقد وافق ترامب متأخراً على فرض المزيد من العقوبات ضد روسيا؛ لتدخلها في انتخابات عام 2016 الرئاسية الأميركية، ولتواطئها في تسميم الجاسوس المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا بغاز أعصاب يستخدم في أغراض عسكرية يعود للحقبة السوفييتية يوم الرابع من مارس في سالزبيري بجنوب إنجلترا. وألقت بريطانيا باللوم على روسيا في الهجوم وحظيت بدعم حلف شمال الأطلسي وزعماء أوروبيين. ووافق أعضاء الاتحاد الأوروبي على اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية ضد روسيا بسبب الهجوم على سكريبال الذي عثر عليه وابنته فاقدي الوعي. لكن ترامب لم يلق باللائمة بعد على بوتين. وإذا انتقد ترامب الرئيس الروسي، فقد تبدأ الإدارة أخيراً في التحدث بصوت واحد رغم أن صوت التشدد قد يؤدي إلى احتمالات أعلى لوقوع مواجهة عسكرية.