أوقفوني إن سبق لكم أن سمعتم هذا من قبل: إن سوريا ستنفجر. أعرف أنكم سمعتم هذا من قبل، ولكن هذه المرة أقصدُ أنها ستنفجر حقاً، لأن الهجوم الأميركي والبريطاني والفرنسي على سوريا من أجل معاقبة نظامها على استخدامه البغيض لأسلحة نووية – وتعهد روسيا بالرد – لا يمثل في الواقع سوى ثاني أخطر مواجهة تحدث في ذاك البلد. فالأخطر من ذلك هو أن إسرائيل وإيران يبدو أنهما متجهتان، في الوقت نفسه، نحو مواجهة عسكرية في سوريا، على خلفية محاولات إيران الرامية إلى تحويل سوريا إلى قاعدة جوية متقدمة ضد إسرائيل، وهو شيء تتعهد إسرائيل بأنها لن تسمح بحدوثه أبداً. هذا ليس مجرد تخمين. ففي الأسابيع القليلة الماضية، وللمرة الأولى على الإطلاق، بدأت إسرائيل وإيران في صمت تبادل ضربات بشكل مباشر في سوريا – وليس عبر وكلاء. هذه المرحلة الصامتة قد تكون شارفت نهايتها الآن. واليوم، باتت إسرائيل وإيران قاب قوسين أو أدنى من الانتقال إلى المستوى التالي – وإذا حدث ذلك، فيمكن القول إن الولايات المتحدة وروسيا قد تجدان صعوبة في البقاء بعيداً وعدم التدخل. دعوني أحاول شرح ما يحدث من مركز مراقبة على الحدود السورية- الإسرائيلية، حيث وقفتُ قبل يومين. ولنبدأ بحقيقة أن الهجوم العقابي الأميركي والبريطاني والفرنسي الأخير الذي استُخدمت فيها صواريخ كروز يبدو عملية واحدة لا ثانية لها تحدث مرة واحدة فقط وأن تأثيره سيتم احتواؤه، ذلك أن روسيا وسوريا ليس لديهما مصلحة في إثارة غارة غربية أخرى ورفع مستوى تدخل القوى الغربية الكبرى الثلاث في سوريا. ثم إن القوى الغربية الثلاث لا ترغب في تدخل عميق في سوريا. والحرب الفعلية والمباشرة التي قد تكون وشيكة ومن الصعب احتواؤها، بين إسرائيل وإيران هي الأرجح والأكثر إثارة للقلق، لأنها قد تكون على وشك بدء الجولة الثانية. الجولة الأولى وقعت في العاشر من فبراير الماضي، عندما تم إسقاط طائرة إيرانية من دون طيار أطلقها «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني وتعمل انطلاقاً من قاعدة «تي 4» الجوية السورية، شرق حمص في وسط سوريا، بوساطة صاروخ أطلق من طائرة هيلوكبتر إسرائيلية من طراز «أباتشي»، واستهدف الطائرة الإيرانية بعدما دخلت المجال الجوي الإسرائيلي. التقارير الأولية كان تفيد بأن الطائرة من دون طيار الإيرانية كانت في مهمة استطلاعية خالصة؛ ولكن المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي قال يوم الجمعة الماضي، إن مسار تحليق الطائرة من دون طيار و«التحليل الاستخباراتي والعملياتي لأجزاء الطائرة الإيرانية غير المأهولة» يشيران إلى أن «الطائرة كانت تحمل متفجرات»، وأن مهمتها كانت «عملاً تخريبياً في الأراضي الإسرائيلية». والواقع أنه ليست لدي أي قدرة على التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل؛ غير أن حقيقة أن الإسرائيليين أعلنوه ينبغي أن يدق ناقوس الخطر. وإذا كان هذا الادعاء حقيقياً، فإنه يشير إلى أن «فيلق القدس» – الذي يقوده القائد العسكري قاسم سليماني – ربما كان يحاول شن ضربة عسكرية حقيقية على إسرائيل انطلاقاً من قاعدة جوية في سوريا، وليس الاستطلاع فقط. وفي هذا السياق، قال لي مصدر عسكري إسرائيلي: «إن هذه هي أول مرة نرى فيها إيران تفعل شيئاً ضد إسرائيل – ليس عبر وكيل»، مضيفاً: «وهذا يمثل بداية مرحلة جديدة». ومما لا شك فيه أن هذا يساعد على تفسير لماذا شنت طائرات إسرائيلية غارة صاروخية قبل الفجر على قاعدة الطائرات من دون طيار الإيرانية «تي 4» الاثنين الماضي. هذا الخبر كان سيمثل قصة خبرية كبيرة – إسرائيل قتلت 7 أعضاء في «فيلق القدس»، من بينهم العقيد مهدي ديهغان، الذي كان يقود وحدة الطائرات من دون طيار - ولكنه ضاع وسط زحمة الأخبار وردود الفعل الدولية (وتغريدات ترامب على تويتر المعلقة) على استخدام الرئيس بشار الأسد لأسلحة كيماوية قبل يومين. وضمن تعليقه على هذا التطور، قال المصدر العسكري الإسرائيلي:(كانت تلك المرة الأولى التي نهاجم فيها أهدافاً إيرانية مباشرة). واللافت أن الإيرانيين لم يكتفوا بإعلان خسائرهم المحرِجة بشكل صريح من خلال وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية فحسب – بعد أن كانوا يقللون من شأن إصابات غير مباشرة سابقة من ضربات إسرائيلية في سوريا – وإنما تعهدوا أيضاً - علناً - بالانتقام. وفي هذا الصدد، قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني خلال زيارة إلى سوريا:«إن الجرائم لن تبقى من دون رد». ومنذ ذلك الحين، أفاد مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الإسرائيلية بأنه إذا ما قام الإيرانيون بضرب أهداف إسرائيلية، فإن إسرائيل قد تغتنم الفرصة لتنفيذ ضربة مضادة كبيرة على كل البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، التي تحاول فيها إيران إنشاء قاعدة جوية متقدمة، إضافة إلى مصنع للصواريخ الموجهة بنظام تحديد المواقع الجغرافية «جي بي إس» قادرة على ضرب أهداف داخل إسرائيل بدقة أكبر بكثير – ضمن شعاع بطول 50 متراً – ونقلها من سوريا إلى «حزب الله» في لبنان. ويقول مسؤولو وزارة الدفاع الإسرائيلية هؤلاء، إن ثمة احتمالاً يعادل الصفر في أن ترتكب إسرائيل الخطأ نفسه الذي ارتكبته في لبنان – أي السماح لـ«حزب الله» بأن يشكل تهديداً صاروخيا كبيراً هناك – وذلك عبر السماح لإيران بالقيام بالشيء نفسه في سوريا. والآن، يمكن للمرء أن يفهم لماذا بات الوضع خطيراً جداً – حتى من دون العقاب الأميركي والفرنسي والبريطاني للأسد لاستخدامه أسلحة كيماوية. ذلك أن إيران تزعم بأنها تعمل على إنشاء قواعد في سوريا من أجل حمايتها من إسرائيل، ولكن إسرائيل ليست لديها أي مخططات بخصوص سوريا؛ وتفضّل في الواقع الشيطانَ الذي تعرفه هناك – الأسد – على الفوضى. وفضلاً عن ذلك، فإنها لم تتدخل في الحرب الأهلية هناك، اللهم من أجل الحؤول دون توسيع البنية العسكرية الإيرانية هناك، أو من أجل الرد على قذائف للثوار أو من سوريا تسقط على الأراضي الإسرائيلية. ولكن ما الذي تفعله إيران في سوريا؟ إن محاولة طهران الرامية إلى إنشاء شبكة من القواعد ومصانع الصواريخ في سوريا – الآن وبعد أن ساعدت الأسدَ عموماً على سحق الانتفاضة – تبدو تكتيكاً من قائد «فيلق القدس» سليماني يروم تعزيز قبضة إيران على أجزاء حيوية من العالم العربي السني وخدمة صراعه على السلطة مع الرئيس حسن روحاني. فاليوم، بات «فيلق القدس»، الذي يقوده سليماني، يسيطر بشكل عام – من خلال وكلاء – على أربعة عواصم عربية هي: دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء. بذلك أصبحت إيران في الواقع أكبر «قوة احتلال» في العالم العربي؛ ولكن سليماني ربما يبالغ في تقدير قيمة الأوراق التي يملكها، وخاصة إذا وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع إسرائيل في سوريا، بعيداً عن إيران، ومن دون غطاء جوي. وعلى كل حال، فحتى قبل هذه التطورات الأخيرة، كان الكثير من الإيرانيين يتساءلون بشكل علني حول ما الذي تفعله إيران من خلال إنفاقها مليارات الدولارات – التي كان يفترض أن تذهب إلى الإيرانيين عقب رفع العقوبات عنها في إطار الاتفاق النووي الإيراني – وخوضها حروباً في سوريا ولبنان واليمن. وهذا بكل تأكيد أحد أسباب عدم قيام إيران بالرد على الضربة الإسرائيلية - حتى الآن. غير أنه يجدر بسليماني أن يفكر مرتين بشأن بدء حرب حقيقية مباشرة مع إسرائيل، بسبب قصة خبرية كبيرة أخرى، ألا وهي شروع قيمة العملة الإيرانية في الانهيار. ولنتأمل هذا الخبر الذي أوردته قناة «سي إن بي سي» التلفزيونية الأميركية على موقعها الإلكتروني: فقد «هبط (الريال الإيراني) إلى مستوى قياسي وسط حالة متنامية من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، الأمر الذي تسبب في تهافت على البنوك، حيث يحاول الإيرانيون جاهدين الحصول على دولارات أميركية مع اضطرار محلات الصرافة لإغلاق أبوابها تجنباً لطوابير طويلة تعمها الفوضى». ويشير الخبر إلى أن الريال الإيراني فقد ثلث قيمته هذه السنة فقط. وعلاوة على ذلك، يعتقد مسؤولون عسكريون إسرائيليون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسليماني لم يعودا حليفين طبيعيين. ذلك أن بوتين يحتاج ويريد سوريا مستقرة يكون فيها «دُميته» الأسد مسيطراً على الوضع، وروسيا قادرة على الحفاظ على وجود جوي وبحري متقدم والظهور بمظهر قوة عظمى من جديد – بكلفة رخيصة. والراجح أن الرئيس الإيراني روحاني يفضّل أيضاً سوريا مستقرة عزّز فيها الأسد سلطته، ولا تشكل عبئاً على الميزانية الإيرانية. ولكن سليماني و«فيلق القدس» يبدو أنهما يتطلعان إلى هيمنة أكبر على العالم العربي وممارسة ضغط أكبر على إسرائيل. وعليه، فما لم يتراجع سليماني، فأغلب الظن أننا سنكون على وشك أن نرى في سوريا «قوة لا يمكن إيقافها» – «فيلق القدس» الإيراني – في مواجهة «شيء لا يمكن زحزحته» - إسرائيل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»