حتى الآن، لا ينبغي أن يفاجأ أحد عندما ينتهك الحزب «الجمهوري» التزامه المزعوم بالاستقامة المالية. لقد كانت زيادة العجز – على الرغم من التخفيضات الضريبية الكبيرة، ومعظمها للأثرياء – هي السمة المميزة للسياسة الاقتصادية للحزب منذ عقود. وعندما يصف «بول ريان» وغيره من «الجمهوريين» أنفسهم بالمحافظين الماليين، فهم أساساً يرددون نسخة من قول كارل ماركس القديم: «من الذي ستصدقه؟ أنا أم عينيك؟». وببطء شديد، بدأت الحكمة التقليدية في الاعتراف بهذه الحقيقة. وبعد إعلان «ريان» عن تقاعده الأسبوع الماضي، وصفته بعض العناوين الرئيسة بأنه صقر العجز. والناس عادة يتصيدون السلبيات، بيد أنه لا تزال هناك طريقة رئيسة لخطأ الحكمة التقليدية: إنها لا تعطي الحزب «الديمقراطي» الفضل الكافي لنزعة المحافظة المالية الفعلية. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، نجح «الديمقراطيون» مراراً وتكراراً في خفض العجز، وذلك عن طريق رفع الضرائب، وخفض الإنفاق العسكري ورفاهية الشركات. وبعضهم حاول حتى تخفيض تكلفة البرامج الاجتماعية التي تحظى بالتقدير. وعلى سبيل المثال، يتضمن برنامج أوباماكير ما يكفي من وسائل السيطرة على التكاليف وزيادة الضرائب حتى خفض العجز على الشبكة. أريد أولاً استعراض الفجوة التصورية، لأنها تسلط الضوء على مشكلة أكبر من سياسة الموازنة. إن الانطباعات السياسية للبلاد تتأثر بشكل كبير بالأشخاص الذين يفترض أنهم مراقبون حياديون – سواء كانوا مراسلين أو مقدمي برامج تلفزيونية أو خبراء في مؤسسات بحثية وما شابه ذلك. وهم بالطبع ليسوا محايدين تماماً، وعندما ما يتحيزون له. ولكن معظمهم يطمح إلى الحياد الحزبي. إنه طموح مشرف. ولكن ليس من السهل تحقيق هذا، لسبب بسيط، وهو أن الدعاة الحزبيين يغمرونهم. فإذا كان عملك ينطوي على الاستماع إلى أشخاص يدعون، مثلًا، أن سياسة إدارة أوباما في سوريا كانت ناجحة أو أن السجل الاقتصادي لجورج دبليو بوش لا يحظى بالتقدير المناسب، فإنك أيضاً ستظهر تشككاً قوياً. والمشكلة هي أن هذا التشكك غالباً ما يتحول إلى نهج مزيف قادر في حد ذاته على أن يصبح غير مقيد بالواقع. ومهما كانت الحقائق، فإن العديد من الصحفيين والخبراء في واشنطن يعودون إلى القصص المألوفة: كلا الجانبين منافقان. والأحزاب تهتم بتسجيل النقاط الحزبية أكثر من تحقيق أي شيء. لقد تولى المتطرفون زمام الأمور، ولم يعد هناك معتدلون. كل هذه القصص تتضمن على الأقل بعض الحقيقة. وأحياناً تنطوي على الكثير من الحقيقة. ولكنها لا تتغير إطلاقاً. لقد أمضيت 25 عاماً في العمل الصحفي، ورأيت مراراً هذه الحالة من عدم الارتياح التي يشعر بها الصحفيون بشأن زعم أحد الحزبين أنه أكثر نجاحاً من الحزب الآخر فيما يتعلق بأي قضية موضوعية تقريباً. ونحن الصحفيين نكون أكثر ارتياحاً إذا أمسكنا سلبيات كل منهما ونطرح أنفسنا باعتبارنا متشككين. وأحياناً، برغم ذلك، يؤدي أحد الحزبين بالفعل عملاً أفضل من الآخر. ورفض الاعتراف بهذا يعني ضياع القصة. وهذه هي الحال مع سياسة الموازنة. منذ عام 1977، كانت الإدارات الرئاسية الثلاث التي أشرفت على زيادة العجز في الميزانية هي إدارات «جمهورية»، ومن المؤكد أن التخفيضات الضريبية للرئيس دونالد ترامب ستجعل إدارته هي رابع هذه الإدارات. أما الإدارات الثلاث التي أشرفت على خفض العجز فهي إدارات ديمقراطية، بما في ذلك الانخفاض الطفيف الذي حدث في عهد باراك أوباما. وإذا كنت تريد أن تعرف ما إذا كان الرئيس الذي جاء بعد عام 1976 قد زاد أو خفض العجز، فإنك بحاجة لمعرفة حزبه. ويسري الاتجاه نفسه على طيف واسع من إحصاءات العجز، أيضاً. وإذا كان هذا يدل على أي شيء، فإن تحليل أكثر بساطة يستخدم الأرقام البارزة، سيجعل الرؤساء «الجمهوريين» (لا سيما إدارة نيكسون/فورد) يبدون أكثر سوءاً. وفي الوقت نفسه، فمن شأن نهج أكثر تطوراً أن يغير الترتيب قليلاً – يضر بيل كلينتون ويساعد أوباما -ولكن ليس النمط الحزبي. والتنبيه، بالطبع، هو أنه يتعين على الرؤساء العمل مع الكونجرس. وقد كانت بعض من أهم حزم خفض العجز مقدمة من الحزبين. وعلى الأخص، يستحق جورج بوش الأب الفضل لشجاعته في رفع الضرائب. وبعض من أكبر قوانين تضخم العجز، مثل برنامج التوسع في الرعاية الطبية للرئيس جورج بوش الابن، كانت مقدمة من الحزبين. وفي الحقيقة، فإن أكبر خطايا العجز التي ارتكبها «الديمقراطيون» في الآونة الأخيرة حدثت عندما كانوا أقلية ولديهم ما يكفي من السلطة فقط لجعل مشروع قانون «جمهوري» مكلف بالفعل أكثر تكلفة. وتعد الموازنة التي وقعها ترامب الشهر الماضي هي أحدث مثال على ذلك. لقد أمضى أحد الحزبين ما يقرب من 40 عاماً في خفض الضرائب والتوسع في البرامج الحكومية من دون دفع مقابل لها، بينما قام الحزب الآخر برفع الضرائب وكان عادة حريصاً على دفع تكاليف برامجه الجديدة.