جرّت المليشيات الإيرانية أذيال «التشيع» إلى الأرض «العلمانية» في سوريا، دفاعاً عن مقابر وأضرحة «آل البيت»، ومن ورائها «نصر الله»، وفتح «بعيد» عبر سبع سنوات عجاف من «ربيع» براغ المزعوم. دفع النظام الإيراني للنظام السوري منذ بدايات الأزمة مليارات الدولارات «عربون» سفك دماء أكثر من نصف مليون سوري بلعتهم أرض بلا قاع. كان في سوريا «شعب»، لكن من بعد «الربيع» الخادع، والبريق الساطع للثورة، تطاير هذا الشعب هباءً منثوراً، في تركيا قرابة ثلاثة ملايين محصور في الملاجئ والخيام، وإن قيل برتبة «خمس نجوم» إلا أنها ليست وطناً، وفي الأردن أكثر من مليون، ومليون مهاجر سوري غادروا إلى ألمانيا، حيث استقبلتهم ميركل بالترحاب، بعد هروبهم من رعب الإرهاب ورهاب النظام الحاكم الذي لم يعد يفرق في القتل بين «داعشي»، أو «قاعدي»، أو «إخواني» ولا قومي أو وطني.. فالكل دخل ضحية في معادلة الحرب على الإرهاب بلا منافس. بعد طرد فلول «داعش» من الأراضي السورية، بدأ الحرس الثوري الإيراني وفلول «نصر الله» يعبثون بنظام البعث هناك بدل أن يساهموا في إصلاح شأنه من أجل شعبه، فزاد الطين بلّة، والمريض علّة، بلا طبيب يشفي داءه وسياسة ترقِّع ثوبه. عندما وصل الأمر إلى يد بوتين ضرب على صدره وقال: أنا لها، فطرح خطة «جهنمية» لستة أشهر تم خلالها إفساد الأرض وليس إصلاحها، ثم امتدت الخطة لأكثر من سنتين، ولم يبق على الأرض السورية قائم يرفع رأسه، ولا زال حبل الأزمة على الجرار، فدخلت تركيا على عمق الأزمة وليس خطها، ومن ورائها أميركا التي قصفت الروس، وقتلت منهم العشرات، ولم يحرك بوتين ساكناً تجاهها حتى داهمته أزمة الجواسيس مع بريطانيا ثم مع كثير من دول الغرب. أميركا تفكر في الانسحاب، لكن من سيدفع تكاليف البقاء، فحروبها سياسياً تعتبر هدية تدفع على كف عفريت من الإنس لإيران التي بلغ نفوذها أعماق اليمن ولبنان والعراق وسوريا، ومن ورائها أصقاع لم تُذكَر عبر وسائل الإعلام المشغولة بمشكلات الحاضر. لقد عُلِّقت ملايين الدولارات المخصصة للمعارضة في عنان السماء لأن «عربون» النزول هو بقاء «الأسد» إلى حين، ومعه أميركا على المدى المتوسط، حتى لا يوغل نفوذ إيران، فتقع سوريا رهن إشارة مليشيات إيران، لأن نظامي سوريا وإيران وصلا حد التشبع من بعضهما، ومن أراد الفصل بينهما فعليه أن يشيِّع إيران من هناك وحبسها في طهران بالمؤبد. سوريا اليوم بركان سيول دم، كما قال أحد الشعراء في أزمة «حماة» بداية ثمانينيات القرن المنصرم، أما شأنها الحالي فمخيف من كل النواحي، فالإنسان ليس له وجود، وقد حلت الأشباح مكانه، الأمن مفقود إلى درجة لو أن صديقين حميمين مضيا إلى أحد أركان أو حارات المكان، لباح لهما صمت الزمان بالفاعل المعروف سلفاً، والذي لا يزال مطلق السراح، يقتل من يشاء. بعد هذه المدة الطويلة من التدخل الإيراني في مفاصل الأزمة السورية، جيء بشماعة قبور بعض آل البيت في سوريا، وتحول جزء من هذه الأزمة المستفحلة إلى حرب مقدسات دينية، وكأن الوضع كله يتعلق بالطائفة الشيعة، أو باسترجاع «القبور» إلى أصحابها الجدد في «قم»، و«مشهد» وبقية إيران! الآن كيف يمكن للعالم الذي اعتبر سوريا أرض الجحيم أن يتدخل لإطفاء حريقها؟ وما هي الإغراءات التي يسيل لها لعاب «الأسد» للخروج من عرين إيران، لكي يقبل حلاً سلمياً مفروضاً من أعلى؟ الدستور السوري القادم صناعة روسية محض، وأهم شرط فيه بقاء الأسد، وقبول المعارضات كلها به رئيساً شرعياً وإن ارتكب كافة المجازر السابقة واللاحقة، حتى بعض الدول التي اشترطت في بداية الأزمة خروج الأسد من اللعبة السياسية، وعلى رأسها تركيا، تراجعت عن هذا الشرط، وهي التي وقفت مع المعارضة منذ البداية، مستعجلة إخراج رأس النظام من الساحة السياسة السورية. فلأول مرة في التاريخ السياسي لصراعات الدول، يعود الحل إلى نقطة الصفر لكي تمضي التطورات على الأرض وفق هذه المعادلة «الصفرية» التي شاركت فيها دول معتبرة، في الدفع بالديمقراطيات لدحر الدكتاتوريات، سواء عبر الصناديق أو من خارجها. من الخطر استمرار إيران في بناء مستوطنات شيعية مساندة لطائفية النظام السوري ليصبحا توأمين عصيين على الانهزام، حتى ولو شاركت دول التحالف ضد «داعش» للوقوف ضد هذين السياسيين السياميين، فالتدخل الجراحي السياسي اليوم مجازفة لصالح إيران العرين الشرعي لأسد هذا الزمان.