في الثالث عشر من أبريل هذا العام، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عملية عسكرية مشتركة على منشآت الأسلحة الكيميائية في سوريا. وأظهرت الغارات الجوية قدرات الحلفاء على استخدام القوة في الشرق الأوسط والدقة الهائلة لأسلحتهم. من الناحية التكتيكية، كانت الضربة ناجحة. ورغم ذلك، ففي السياق الاستراتيجي للحرب الأهلية السورية والجغرافيا السياسية المعقدة لمنطقة الشرق الأوسط، تسلط مثل هذه الأعمال العسكرية الضوء على فشل قوات الحلفاء، لاسيما الولايات المتحدة، في تقديم سياسة متماسكة وعملية حول كيفية تعزيز مصالح الأمن القومي، وفي نفس الوقت تجنب التدخل العسكري غير المحدود في المنطقة والمستمر منذ سبعة عشر عاماً وحتى الوقت الحالي. وقد تمت هذه العملية بناءً على أوامر الرئيس دونالد ترامب الذي أثارت غضبه صور الهجوم الجديد بالأسلحة الكيميائية في السابع من أبريل على مدنيين سوريين من قبل القوات العسكرية للرئيس السوري بشار الأسد. وقبل ذلك بعام، وفي السابع من أبريل 2017، أمر ترامب بشن هجوم على منشأة عسكرية سورية لنفس السبب، لكنها في تلك المرة كانت دون تعاون الحلفاء. وقد نفت كل من سوريا وروسيا الاستمرار في استخدام الأسلحة الكيميائية وزعمتا أن صور أحدث هجوم على بلدة دوما في ضواحي دمشق هي صور ملفقة من قبل الإرهابيين. وحتى يتمكن مفتشو الأمم المتحدة من إجراء اختبارات شاملة للموقع، ربما يصعب العثور على أدلة قاطعة. بيد أن هذا لم يمنع الحلفاء من التحذير من أن المزيد من الهجمات الانتقامية ربما يكون ممكناً. وتتمثل المعضلة بالنسبة لترامب في أنه بينما قام بتعيين مستشار أكثر تشدداً للأمن القومي، وهو «جون بولتون»، فإن مؤسسة الدفاع الأميركية وكذلك الحلفاء البريطانيين والفرنسيين ليسوا مؤهلين لدعم هذا النوع من الضربات الجوية الضخمة والقادرة بالفعل على إلحاق ضرر بالغ بالبنية التحتية لجيش الأسد، بما في ذلك قواته الجوية والبرية. ويتمثل أحد أسباب ذلك في خطر إصابة القوات الروسية أو الإيرانية الموجودة في سوريا. وثمة سبب آخر، وهو الواقع السياسي، حيث أن الضربات الجوية وحدها لن تؤدي إطلاقاً إلى إسقاط نظام الأسد، وأي من الحلفاء لا يرغب في التورط في حرب برية تخوضها قواته على الأرض السورية. وبالنسبة لترامب على وجه الخصوص، فقد تولى رئاسة الولايات المتحدة وهو عازم على ألا ينخرط في حروب الشرق الأوسط. ولم يكن عدد من أكثر مؤيديه حماسة راضين عن الهجومين الجويين اللذين نفذهما بالفعل ضد أهداف في سوريا تابعة للأسد. إن سوريا ليست هي الأزمة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تشهد وجوداً عسكرياً أميركياً، لكن ليس هناك استراتيجية واضحة بشأن كيفية إنهاء مشاركتها، ناهيك عن التوصل إلى تسويات سلمية من شأنها أن تجلب بعض الاستقرار إلى المنطقة. ولعله مما يزيد الأمور تعقيداً أن الانقسامات داخل إدارة ترامب بشأن كيفية فرض عقوبات على روسيا، لدورها في دعم الأسد، قد وصلت الآن إلى درجة كبيرة، حيث كانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة «نيكي هيلي» قد أعلنت في الخامس عشر من شهر أبريل الجاري أن العقوبات الأميركية الجديدة ضد روسيا سيتم الإعلان عنها يوم الاثنين الموافق السادس عشر من الشهر نفسه، لتكتشف لاحقاً أن الرئيس ترامب قد أجّل الإعلان عن هذه العقوبات الجديدة. وبالنظر إلى الاضطرابات الداخلية في واشنطن، بسبب التحقيقات الجارية حول علاقة ترامب بروسيا وتدخلات الأخيرة في الانتخابات الرئاسية عام 2016 لصالح المرشح الرئاسي في حينه دونالد ترامب، فإنه ليس من المستغرب أن يتساءل حلفاء الولايات المتحدة وخصومها معاً عما إذا كان هناك أي توافق بين نخبة السياسة الخارجية الأميركية، أو ما إذا كان هناك أي اتساق بين قرارات هذه السياسة ومواقفها المختلفة. ولا تعد هذه الحالة الملحوظة من الارتباك والتناقض أمراً سيئاً للولايات المتحدة فقط، بل إنها أيضاً سيئة للأمن الإقليمي في المناطق الرئيسة مثل الشرق الأوسط وشرق آسيا وأوروبا، حيث تعتمد الأزمات التي لم تحل بشكل كبير على وجود مشاركة أميركية قوية ومتوافقة إلى جانب رؤية واضحة تحملها هذه السياسة. وحتى الآن لم يتم تأكيد تعيين «مايكل بومبيو»، وزير الخارجية الجديد المعين، من قبل مجلس الشيوخ الأميركي. وعلاوة على ذلك، هناك الكثير من المناصب العليا في وزارة الخارجية الأميركية والتي لا تزال شاغرة، ما يضع عبئاً إضافياً على وزير الدفاع «جيمس ماتيس» فيما يتعلق بالمشاركة في القضايا السياسية العسكرية والدبلوماسية. إن ماتيس يحظى بتقدير كبير، وقد أظهر بعض الحذر والحس السليم في نهجه بالنسبة للأمن القومي. وإذا كان سيترك منصبه لأي سبب، فسيكون هناك قلق كبير من أن الصقور في المؤسسة السياسية الأميركية سيصبحون هم المهيمنين ومن المرجح أن ينظروا إلى الجيش على أنه مختلف عن الحلول الدبلوماسية للعديد من المشكلات التي تبدو مستعصية على الحل.