أصدرت منظمة الصحة العالمية خلال الآونة الأخيرة دليلاً صحياً تفصيلياً، تحت عنوان «استبدال»، يحتوي على جميع الخطوات اللازمة لتخليص الغذاء البشري -بشكل تام- من الدهون المهدرجة أو المتحولة (trans-fatty acids) المنتجة صناعياً. وتأتي هذه المبادرة من قبل المنظمة الدولية انطلاقاً من حقيقة أن تجنب الدهون المتحولة يعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق مستوى أعلى من الصحة، ولتجنب الوفيات المبكرة، بناء على التقديرات التي تشير إلى أن تناول هذا النوع من الدهون يتسبب في أكثر من نصف مليون وفاة سنوياً. وتأتي مبادرة منظمة الصحة العالمية بعد أن كانت هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية قد وصفت الدهون المتحولة أو المهدرجة منتصف عام 2015 بأنها مواد غير آمنة للاستهلاك البشري، وسبب مهم في ارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين، وعامل خطر مهم خلف الوفيات الناتجة عن الذبحات الصدرية، والسكتات الدماغية، مما يستدعي منع استخدامها نهائياً في الأغذية والأطعمة. وصدر هذا التحذير حينها من قبل هيئة الأغذية والعقاقير، بعد أن كانت الهيئة قد شرّعت عام 2006، قوانين تجبر مُصنعي الأغذية، ومُحضري الأطعمة، على وضع بيانات عن كمية وحجم الدهون المهدرجة في ما يقدمونه للمستهلكين من أغذية وأطعمة. ورغم انخفاض حجم استهلاك هذه النوعية من الدهون بنسبة 78 في المئة من قبل المستهلكين الأميركيين، فإن الهيئة الأميركية ظلت ترى أن حجم الاستهلاك حتى بعد ذلك الانخفاض، لا زال يُشكل خطراً صحياً داهماً، لا سبيل لدرئه إلا بالمنع التام والشامل للدهون المهدرجة من جميع أنواع الغذاء. وتقدر هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية أن الفرد الأميركي يستهلك سنوياً أكثر من كيلوجرامين من الدهون المهدرجة في المتوسط. وإذا أخذنا في الاعتبار أن أحد الأهداف الأساسية لاستخدام الدهون المهدرجة من قبل صناعة الغذاء، هو زيادة الوزن دون زيادة الثمن، فسيسهل علينا التخمين بأن معدلات استهلاك الفرد في الدول الفقيرة أعلى بكثير من استهلاك الفرد الأميركي، لتصل ربما إلى كيلوجرامات عدة من الدهون المهدرجة سنوياً. وتتواجد الدهون المهدرجة بشكل طبيعي – وإن كان بكميات قليلة جداً في اللحوم، والألبان ومنتجاتها، بينما يتم الحصول على الدهون المهدرجة الاصطناعية من خلال «هدرجة» زيوت النباتات، أي إضافة ذرة هيدروجين إلى تركيبها الكيميائي، مما يحولها من الحالة السائلة للزيت، إلى الحالة شبه الصلبة للسمن، ولذا يطلق عليها أحياناً مسمى «السمن الاصطناعي». ويعود اكتشاف هذه العملية الصناعية إلى بداية القرن العشرين، لينتشر استخدامها لاحقاً بسبب ما تمنحه للمنتجات من نكهة طبيعية، وما تحققه من زيادة في فترة الصلاحية للأغذية المعلبة والمصنعة. فمثلاً البسكويت المُصنع باستخدام هذه الدهون، تتضاعف فترة صلاحيته مقارنة بالبسكويت المصنع بالزيوت النباتية الطبيعية، مما يمنح محال الـ«سوبرماركت» فرصة إبقائه على رفوف البيع لفترات طويلة، قبل أن تضطر للتخلص منه. هذا بالإضافة إلى أن الدهون المهدرجة زهيدة الثمن، مما يتيح إضافتها بكميات مناسبة لزيادة وزن المنتج النهائي، دون أن تكلف المصنع الكثير. وبناء على هذا الواقع، حثت منظمة الصحة العالمية حكومات العالم على تطبيق الخطوات التي تضمنتها خطة «استبدال» (REPLACE) المكونة من ست خطوات للتخلص من الدهون المهدرجة، وهو ما سيشكل –إذا ما تحقق- إنجازاً صحياً هائلاً على صعيد الجهود الدولية والوطنية الرامية لخفض الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والشرايين. حيث تأتي حالياً أمراض القلب والشرايين، وخصوصاً الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، على رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري -دون منازع- متسببة في وفاة قرابة 14 مليون نسمة سنوياً، ومتفوقة بذلك على مجمل الوفيات الناجمة عن جميع أنواع السرطان. وبخلاف تناول أطعمة تحتوي على كميات مرتفعة من الدهون المهدرجة، تشمل عوامل الخطر الأساسية أمراض القلب والشرايين: استخدام منتجات التبغ، وقلة الحركة وعدم ممارسة النشاط البدني، والغذاء غير الصحي أو المتوازن، مما يؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة، والإصابة بداء السكري. ويعتبر أيضاً ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم، وخصوصاً ما يعرف بالكوليسترول السيئ، الذي يكون غالباً ناتجاً عن زيادة الوزن وقلة النشاط البدني، من عوامل الخطر المهمة في الإصابة بأمراض القلب والشرايين، حيث تترسب المستويات المرتفعة منه داخل جدران الشرايين مما يؤدي إلى تصلبها وانسدادها لاحقاً.