يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب متلهفاً على تحقيق فوز كبير ولافت في السياسة الخارجية، بعد سلسلة من الإجراءات الأقل نجاحاً. فقد نقل السفارة الأميركية إلى القدس مؤججاً احتجاجات حاشدة قُتل فيها 60 فلسطينياً، وأدى تنازله للصين بشأن إنقاذ شركة «زد تي ئي» للاتصالات التي كانت تواجه عقوبات أميركية، إلى استهجان من كلا الحزبين. وباختصار، وضع ترامب البيض كله في سلة كوريا الشمالية! ولا شك في أن رئيس كوريا الشمالية «كيم جونج أون» رأى بالنظر إلى تنازل ترامب بشأن الشركة الصينية، كيف أنه من السهل التلاعب بالإدارة الحالية الباحثة عن تحقيق انتصار. ومن ثم أظهر كيم سريعاً كيف يمكن أن تتحطم التوقعات العالية بشأن كوريا الشمالية. ومثلما تشير التقارير المنشورة في «واشنطن بوست»: «سرعان ما بدلت كوريا الشمالية الهدف المعلن للقمة المرتقبة الشهر المقبل بين كيم جونج أون والرئيس ترامب، قائلة إن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن إصرارها بشأن تخلي بيونج يانج من جانب واحد عن برنامجها النووي، ولا بد أن تتوقف عن الحديث عن حل على النمط الليبي للأزمة الراهنة». والتحذير الأخير الذي قدمه المفاوض النووي السابق لكوريا الشمالية «كيم جي جوان»، يوم الأربعاء الماضي، يلائم النمط الراسخ لبيونج يانج بزيادة المخاطر في المفاوضات عن طريق التهديد بالانسحاب إذا لم تمض على النحو الذي يروق لها. ويرى «مايكل أوهانلون» الباحث في معهد «بروكينجز» أن الموقف اللطيف من جانب كيم ليس مطمئناً أكثر من إيماءات حسن النية السابقة، لأنها تبدو حالمة. واعتبر «أوهانلون» أن هناك طريقتين لقراءة التحول في الموقف، فإما أن كيم يشعر الآن بالقلق بشأن انفراجة العلاقات المتوترة، في ضوء الأهداف الأميركية الواضحة، ومن ثم يرغب في تعطيل المسألة برمتها، وفي هذه الحالة لن تُعقد القمة على أية حال. وأضاف: «لكن المرجح بدرجة أكبر أنه بدأ عملية المساومة في مرحلة مبكرة، لا سيما أن إدارة ترامب أخطأت في تفسير ما كان يقصده حقيقة وما طرحه بجل أحاديثه عن السلام ونزع السلاح النووي، وبالتالي، لن تكون القمة سهلة، أو تنطوي على تنازلات من جانب كيم وحده، وهو أمر لم يتصور معظمنا أنه سيحدث». وإذا صحّ الاحتمال الأخير، فإن ترامب ربما يكون في موقف ضعيف إزاء موقف «بيونج يانج»، إذ إن اعتماده على «الكيمياء» مع قادة العالم وميله لتفسير تحركات الدول بأنها «لطيفة»، مثل الإفراج عن ثلاثة أميركيين كانوا محتجزين في كوريا الشمالية أو السجادة الحمراء والترحيب الشديد في الصين، من منظور شخصي، هو أمر غير مثمر عند التعامل مع نظام منهجي ومنظم وعدواني. وقد استهدفت «بيونج يانج» بمهارة مستشار الأمن القومي الأميركي «جون بولتون» الذي كان ترويجه لـ «نموذج ليبيا» التي تمت الإطاحة بزعيمها، قبل مقتله على أيدي المتمردين، استفزازاً لا طائل من ورائه. والحقيقة أنه بعرضه عقد قمة مع كوريا الشمالية، يواجه ترامب الآن خطر خسارة شيء لا قيمة استراتيجية له ألا وهو: صورة عالمية تنشر في الصفحات الأولى، إذا لم يذعن للمطالب التي تحددها كوريا الشمالية من أجل عقد القمة. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»