«حزب العمل» الإسرائيلي هو الحزب المؤسس لدولة إسرائيل تحت قيادة دافيد بن جوريون وظل في مقاعد الحكم منذ عام 1948 وحتى عام 1977 عندما فقد مقاعد الحكم لأول مرة أمام حزب الليكود اليميني بقيادة مناحيم بيجين. وضع حزب العمل قواعد استخدام العنف مع العرب في أبريل 1948 عندما نفذ بن جوريون خطته التي قامت على إجبار الجماهير الفلسطينية العزلاء على الرحيل إلى خارج فلسطين عن طريق سلسلة من المذابح بحق المدنيين وإثارة الفزع بينهم. استطاع حزب العمل الذي كان يحمل اسم «ماباي» في بداية نشأته أن يحقق للإسرائيليين مكاسب خارجية في غضون عشرين عاماً من سيطرته على السلطة، أبرزها مباغتة الجيوش العربية بهجوم مفاجئ في يونيو 1967 واحتلال الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء فارتفعت شعبيته إلى عنان السماء بين الناخبين اليهود الذين شعروا أن دويلة إسرائيل قد أصبحت بفضل الحزب وزعمائه إمبراطورية مترامية الأطراف وأن جيشها الصغير أصبح الجيش الذي لا يقهر. بعد ذلك تبنى الحزب في سنوات حكمه مع نشوة الانتصار على العرب استراتيجية عسكرية متشددة على الجبهة المصرية عندما بدأ المصريون حرب الاستنزاف ضد القوات الإسرائيلية المتمركزة على الضفة الشرقية لقناة السويس، فكسب إعجاب الناخبين عندما لجأت قيادة الحزب الحاكمة إلى الرد على الضربات التي تلقتها قواتها العسكرية على جبهة القناة بشن هجمات جوية على الأهداف المدنية في العمق المصري لإجبار المصريين على وقف حرب الاستنزاف، فقصفت قناطر نجع حمادي وقصفت أهدافاً مدنية عديدة من أشهرها مدرسة بحر البقر الابتدائية. ظل الحزب على عنجهيته هذه إلى أن تلقى ضربة قاصمة أطاحت باحتكاره للحكم، وتمثلت في حرب أكتوبر 1973 فترنحت شعبيته خصوصاً بعد أن اكتشفت الجماهير اليهودية أن العرب استطاعوا خداع قياداته المحنكة مثل رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان بطل انتصار يونيو 1967 وأسقطوها في حالة غفلة بخطة الخداع الإستراتيجية التي قادها الرئيس السادات بمهارة فائقة. ومع مرور الوقت على الحزب وهو خارج مقاعد السلطة، بلور رؤية معتدلة لحل الصراع مع الفلسطينيين تقوم على فكرة حل الدولتين مقابل وجهة نظر الليكود الرافضة لقيام دولة فلسطينية، واستطاع أن يعود إلى الحكم لبضع سنوات في التسعينيات توصل خلالها إلى اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، غير أن اليمين المتشدد عارضه بقوة وانتهت المعارضة اليمينية إلى اغتيال زعيم حزب العمل الجنرال رابين وصعود الليكود للحكم بقيادة نتنياهو عام 1996. أتيحت للحزب فرصة أخيرة للوصول للحكم تحت قيادة إيهود باراك، غير أنه فقد الحكم بسرعة وعاد الليكود للحكم بقيادة أرييل شارون مع مطلع القرن الحادي والعشرين. ومنذ ذلك الوقت طالت أزمة حزب العمل المتمثلة في عدم قدرته على الفوز في الانتخابات لفترة طويلة وبقائه بالتالي مهمشاً في مقاعد المعارضة بعيداً عن دائرة تحديد سياسات الدولة. ومؤخراً، وبعد نجاح نتنياهو المتشدد في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ظهرت مؤشرات تدل على أن بعض قادة حزب العمل وبالذات، إيتان كابل بدؤوا البحث عن قائد وسياسات جديدة تقنع جمهور الناخبين بأن الحزب قادر على تحقيق الأطماع وضم الكتل الكبرى للمستوطنات بالضفة الغربية إلى إسرائيل بدرجة لا تقل عن أحزاب اليمين. فهل يسترد الحزب ثقة غالبية الناخبين؟