الاجتماع القصير والاستثنائي الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في سنغافورة يوم الـ12 من يونيو الجاري، كان بكل تأكيد اجتماعاً تاريخياً من الناحيتين الدبلوماسية والبصرية. لكن ما الذي حققته هذه القمة بين الزعيمين؟ لقد أعلن البَلدان -بالطبع- أن هذا الحدث تكلل بنجاح كبير سيؤدي في النهاية إلى نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، وإلى إنهاء العقوبات الخارجية المفروضة ضد كوريا الشمالية، ثم إلى سحب القوات الأميركية من المنطقة في نهاية المطاف. القراءات الأولى لنتائج اللقاء تشير إلى أن الزعيم الكوري الشمالية هو المستفيد الأكبر من الاجتماع الذي كان قصيراً جداً. ذلك أنه التقى كندّ مع رئيس أقوى دولة في العالم. واللافت أكثر أنه أفلح في إقناع ترامب بوضع حد للتمرينات العسكرية الدفاعية مع كوريا الجنوبية، وأن ترامب وافق على القيام بذلك دون أي مشاورات مع مستشاريه، بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، ودون العودة إلى الزعيمين الكوري الجنوبي والياباني. هذا مع العلم بأن كل حلفاء ترامب الخارجيين وأعضاء فريقه للأمن القومي لا يعتبرون التمرينات المشتركة «مناورات حربية»، وإنما يرونها عناصر أساسية للتعاون الدفاعي الوثيق في أي تحالف يتعين عليه أن يجري مناورات عسكرية فعالة تحسباً لاندلاع حرب. ومن جهة أخرى، فإن ادعاء ترامب بأن إنهاء المناورات من شأنه أن يوفّر «الكثير من المال» للميزانية الأميركية الفيدرالية المنهَكة، لن يكون له معنى إلا إذا تخلت الولايات المتحدة عن اتفاقياتها الدفاعية مع الحلفاء في شرق آسيا، وخاصة كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا وتايوان والفلبين. والحال أن مثل هذا التطور من شأنه أن يمثل انسحاباً عملياً للقوة العسكرية الأميركية الفعلية من منطقة حيوية باتت مهدَّدة على نحو متزايد من قبل الوجود العسكري والسياسي والاقتصادي للصين الساعية إلى تأكيد قوتها، والتي أصبحت تتسبب على نحو متزايد في إثارة قلق كبير لدى حلفاء الولايات المتحدة. كما يشعر هؤلاء الحلفاء بالقلق من القرار أحادي الجانب الذي اتخذه ترامب في بداية رئاسته والقاضي بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي صُممت من أجل توطيد العلاقات الاقتصادية عبر المحيط الهادئ، ولكي تكون بمثابة حاجز صد مانع في وجه التمدد الصيني المتزايد. أما داخلياً، بإمكان ترامب أن يجد بعض العزاء في حقيقة أن جهوده الرامية لإنهاء الأزمة الكورية تمثل بكل تأكيد تحسناً بالمقارنة مع خطابه المتشدد السابق الذي استفز الزعيم الكوري الشمالي، خاصة حين وصفه بـ«رجل الصواريخ القصير». لكن في ما يتعلق بالهدف الأهم، والمتمثل في نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية، فإنه يمكن القول بأن لا أحد في الوقت الراهن لديه أدنى فكرة عما يدور في ذهني الزعيمين، ناهيك عن الإجراءات التي يتعين القيام بها لتأكيد امتثال كوريا الشمالية لأي اتفاق. وإذا كان ثمة درس ما يمكن استخلاصه من الاتفاق النووي الإيراني، فهو أنه حتى هذا الاتفاق المعيب ينص على عمليات تفتيش قوية على نحو استثنائي ونظام تحقق يقضي بزيارة مفتشين دوليين دائمين لمعظم المواقع النووية في إيران، والقيام بذلك على نحو دوري. لكن لا يوجد أي مؤشر في الوقت الراهن على أن كيم جونغ أون سيوافق على إجراء عمليات التفيش كهذه من دون الحصول على ضمانات قوية أولاً على أن العقوبات الأميركية سيتم تخفيفها على الفور. بيد أن تخفيف العقوبات سيثير السؤالَ حول سجل كوريا الشمالية الفظيع في مجال حقوق الإنسان، وحقيقة أن الكثيرين يعتبرون هذا البلد الأكثر وحشية في العالم. وسيتعين على ترامب أن يكون واثقاً من أن عملية نزع الأسلحة النووية الكورية الشمالية تمضي في سكتها الصحيحة، قبل أن يوافق الجمهور والكونجرس الأميركيين على تخفيف حقيقي للعقوبات المفروضة ضد بيونج يانج. ولئن كان كل حلفاء الولايات المتحدة يأملون نجاح المفاوضات مع كوريا الشمالية، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتوقع التعاون الوثيق الذي لقيته أثناء إعداد الاتفاق النووي الإيراني. ذلك أن انسحاب ترامب المفاجئ وغير الحكيم من الاتفاق النووي الإيراني، دمّر الثقة في وعوده وفي حكمة دبلوماسيته. وإذا أضفنا إلى ذلك السجل سياسة ترامب الضعيفة والمضرة بخصوص التجارة والرسوم الجمركية، وانسحابه من اتفاق باريس للمناخ 2015، والقرار أحادي الجانب القاضي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فإنه لن يكون من الصعب فهم لماذا لا يحظى ترامب بالثقة إلى حد كبير، ولماذا لم يعد يُعتبر زعيماً للعالم الغربي.