الحديث عن موضوع التعليم وتطويره، حديث في غاية الأهمية والجدية، لأن التطوير في هذا المجال مسألة صعبة وليست سهلة بأي حال، كما يظن البعض ممن يعتقدون أن الأمر ليس أكثر من مجرد مجموعة أفكار وقرارات وخطط مرتجلة، بل إن التطوير التربوي هو في حقيقة الأمر جوهر عملية التطوير في المجتمع ككل، وهي محور الخطط والبرامج التنموية التي يمكن أن تحدث في أي بلد. إن التعليم هو أهم محور ضمن أي خطة تنموية، وهو عامل فعال ومؤثر للغاية في تحديد مستقبل الدول والأمم. ولا حاجة هنا للتذكير بكثير من السلبيات والأمراض والعلل التي أصابت النظم التعليمية والتربوية في كثير من الدول العربية، بسبب الإصلاحات والخطط المرتجلة القائمة على أساليب المحاكاة والاستيراد، لذلك فإن التشخيص الحصيف والدقيق لجوانب الحالة التعليمية العربية بأكملها، يجب أن يكون على رأس أولويات أجندة أي خطط للإصلاح التربوي، مما سيساعد على تشريح الإشكالية التي يعانيها التعليم، كمياً ونوعياً، والتي أصبحت اليوم مثار جدل كبير. البنك الدولي في تقريره لعام 2017 أكد أن التعليم في العالم العربي لا زال يعاني مشكلات عديدة، وكانت خلاصة تقريره تقول: إن نوعية التعليم في العالم العربي تراجعت مقارنة بمناطق العالم الأخرى، فهو تعليم لا يوفر خريجين لديهم المهارات اللازمة للمنافسة عالمياً، حيث المعرفة هي أساس التقدم، ولذا فإن هذا التعليم يحتاج إلى إصلاح عاجل بغية الاستجابة لاحتياجات التنمية ولعلاج البطالة المتزايدة في الدول العربية. أكثر المختصين في علم التربية أشاروا إلى أن سبب الفشل في إصلاحات التعليم في العالم العربي ترجع إلى الأسباب التالية: 1- غياب التشخيص الصحيح للحالة التعليمية وإشكالياتها. 2- غياب العقول المختصة والقادرة على قيادة التعليم بشكل صحيح. 3- غياب المؤسسات المختصة لدراسة الحالة التعليمية وتشخيص مشكلاتها. 4- ضعف النقاش العمومي (داخل المجتمع والإعلام) حول العملية التعليمية وما تعانيه من نواقص وأخطاء. 5- استسهال الأخذ بالحلول المستوردة الجاهزة، والتي غالباً ما تكون مجرد «حبوب مهدئة» (حلول نشأت في مجتمعات مغايرة، ومعظمها مليء بالثغرات ونقاط الضعف). ولعله مما عمق مشكلات التعليم في كثير من البلدان العربية، التركيز على الاستعانة بالخبراء الأجانب، والذين أثبتت التجارب أن دورهم في منظومة الإصلاح التعليمي لم يفد في إيجاد تعليم مبدع ومبتكر ومخترع. نحن ندرك تماماً أن الحكومات العربية تبذل الكثير من الجهود من أجل تطوير التعليم في بلدانها، لكن هذه الجهود قد تُواجَهُ ببعض العوائق والتحديات التي ربما تهدد بضياع طاقات كبيرة، خاصة في مجال «عملية صنع القرار التربوي»، لأن هذه العميلة أخطر عملية تمس حالة التعليم في مختلف جوانبه، نظراً لأن هناك عدة أطراف تشترك فيها: خبراء، ومستشارون، ونظم معلومات، وخبرات سابقة، ومرجعيات مهنية ومجتمعية، وتقارير ودراسات ووثائق، وتجارب ونماذج متعددة.. إلخ. وأي خلل يصيب هذه المنظومة قد يؤثر في عملية صنع القرار. التربية في مفهومها المعاصر تعني أن ندرك تماماً الآلية الحقيقية لتربية عقل الطالب وروحه ووجدانه، وأن نتحكم في رسم خريطة مثالية لعمل هذه الآلية، عن طريق التدريب على فحص البراهين والأدلة والتمييز بين الخطأ والصواب.