أستأذن القارئ في الخروج في هذا المقال عن اختصاصي العلمي في قضايا الصراع والسلام بين العرب وإسرائيل، إلى موضوع آخر شديد الأهمية لنا جميعاً. ذلك أن أقطاراً عديدة من أمتنا العربية تعيش منذ سنوات حالةَ حرب على جبهتين؛ ضد إرهاب «داعش» وأخواتها، وضد إيران وميليشياتها وشبكاتها الإرهابية، مما يفرض على المواطن العربي واجبات عديدة لضمان الانتصار في هذه الحرب المزدوجة. أعترف بأنني كنت مكتفياً في هذه الحرب بدور الكاتب الذي يقوم بالتوعية والتعبئة، وأنني غفلت فيها عن واجب مهم كنا نقوم به خلال حربنا ضد الاحتلال الإسرائيلي بين حربي 1967 و1973. إن هذا الدور هو واجب زيارة أبطالنا المحاربين سواء في ميادين القتال أم في نوادي الجيش في أوقات إجازاتهم، وكذلك زيارة أسر من يستشهد منهم ومن يغادر منهم سريره الأبيض. إنه دور شديد الحيوية، فالزيارات تشعر المحاربين وأسرهم بمحبة شعبهم واعتزازه بأبطاله وبالتالي ترفع معنوياتهم، كما تغذي الوجدان الوطني لدى الزائر وتنبهه إلى أنه يتمتع بالحياة الآمنة بفضل بسالة وتضحيات هؤلاء الأبطال فتحفزه على العطاء الوطني. لقد انتبهت إلى هذا الواجب عندما دعاني نادي هيئة التدريس بجامعة عين شمس لمشاركته في زيارة الأبطال المصريين الجرحى الذين كانوا يحاربون إرهاب «داعش»، في مستشفى الجيش بالمعادي على كورنيش النيل بالقاهرة. لقد خرجت من الزيارة بمشاعر وطنية جياشة أثارتها في نفسي التفاعلات التي حدثت بين الزائرين وبين الأبطال فبقدر ما راح الزائرون يعبِّرون للأبطال عن اعتزازهم وتقديرهم لتضحيات الأبطال بقدر ما كان الأبطال يؤكدون التزامهم بحماية الوطن وأمنه. كتبت عن الزيارة، فجاءتني ردود الفعل إيجابية وجياشة بالعواطف الوطنية والتآزر مع الأبطال، من الأكاديميين والشعراء والفنانين والكتاب الشبان ورجال الأعمال. أحدثكم هنا حديثاً لا بلاغة فيه ولا مبالغة، بل هو حديث الحقيقة التي أدعوكم إلى الاقتراب منها وملامستها لتكتشفوا عظمتها بأنفسكم. أحدثكم عن أربعة مقاتلين -أساطير من أنحاء مصر، زرتهم الأحد الماضي مع زملائي في الجامعة؛ وهم أمير خالد علواني من الفيوم، وزين عبد المنعم رياض من أسيوط، وبهاء فهيم فاروق من المنصورة، ومحمد سلام سلامة من الشرقية، وجميعهم شبان في عمر الزهور تقدموا الصفوف ليصدوا عن وطنهم هجمة الإرهاب في سيناء. عندما تستمع إلى نبرة العزم في أصواتهم وتنظر إلى قسمات وجوههم المليئة بالثقة، يذكرك كل مقاتل منهم بالمحاربين البواسل العمالقة الذين يخرجون لك من أبيات شعر الحماسة العربي أو من بين سطور الملاحم الإغريقية أو من بين غبار غزوة بدر التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يبرزون لك من صفوف جيش صلاح الدين الأيوبي وهو يحرر القدس، أو يطلون عليك من بين أفواج العبور المصري التي اندفعت لطرد المحتلين الإسرائيليين. إن هذه الأوصاف ذاتها عن المحاربين المصريين تنطبق على المحاربين العرب الذين تقدموا الصفوف في اليمن لتحريره من قبضة الميليشيات الحوثية التابعة لإيران، وعلى المحاربين العرب الذين قاموا بتصفية أوكار الإرهاب في العراق. ومن الكلمات التي أثرت في مشاعر الزائرين والأبطال على حد سواء في مستشفى المعادي كلمات قالها أحد الزملاء في نادي هيئة التدريس، مخاطباً كل بطل زرناه في غرفته: أنا بشكرك يا ابني على بسالتك وتضحياتك باسم أسرتي كلها، فبدون هذه التضحية كان يمكن لـ«داعش» أن تأخذ رجال أسرتي أسرى وتأخذ بناتها سبايا كما فعلت في العراق وسوريا. إنها كلمات تعكس مشاعر أب عربي مسلم يعبر عن عرفانه لهؤلاء الأبطال الذين يستحقون من الشعب العربي في جميع الأقطار رد الجميل بالزيارة والمحبة.