لقد أصبحت القضية الفلسطينية في مأزق، وأصبح الفلسطينيون يعيشون في شكوك بعد أن افتتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مبادرته «صفقة القرن» بقرار متحيز هو الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. لقد أدى هذا الإجراء إلى تشكيك الفلسطينيين في نوايا الصفقة، وما تخبئه لهم، فقررت السلطة الوطنية الفلسطينية مقاطعة إدارة ترامب ووفده الخاص بعملية السلام. وهنا ظهرت فكرة إسرائيلية أميركية تهدف إلى تجاوز السلطة الفلسطينية الرافضة لإجراء ترامب ومعاقبتها على موقفها. الفكرة تدور حول إطلاق مشروع لتنمية قطاع غزة اقتصادياً وعقد هدنة طويلة بين إسرائيل وسلطة «حماس»، بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة في قطاع غزة فقط، مع فرض الحكم الذاتي على الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية. لقد رفضت القيادات المصرية والعربية تجزئة القضية الفلسطينية -كما تقول المصادر الإسرائيلية- أثناء زيارة كوشنير لمصر والمنطقة في شهر يونيو المنصرم، وصممت على الموقف العربي الذي تنص عليه مبادرة السلام العربية، وهو إقامة الدولة الفلسطينية في كل من الضفة وغزة على حدود الأرض العربية الفلسطينية المحتلة في الرابع من يونيو 1967 بعاصمة هي القدس الشرقية. في هذه الأجواء، أطلق الرئيس الصيني «شى جين بينغ» مبادرته لحل القضية الفلسطينية يوم 10 يوليو الجاري، في الكلمة التي افتتح بها في بكين أعمال الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني، حيث أعلن عن عزمه على عقد مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية، كما أعلن دعمه لإيجاد تسوية عادلة ودائمة تقوم على «حل الدولتين» ومبادرة السلام العربية، من أجل الخروج من الجمود الحالي. ولم يكتف الرئيس الصيني بإعلانه عن تلك المبادرة السياسية، بل أضاف إلى ذلك أن بكين سوف تقدم منحة مالية بقيمة مئة مليون دولار لدعم النمو الاقتصادي الفلسطيني وتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين. وفضلاً عن هذا أكد الرئيس شي جين بينغ أن الصين ستقدم تبرعات إضافية إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. نلاحظ أن هذه المبادرة جاءت في إطار أشمل دعا إليه الرئيس الصيني، وهو إحلال السلام وتحقيق التنمية في الشرق الأوسط من منظور مشترك يركز على احترام خصوصية الدول وعلى التمسك بالعدل والمساواة. لقد كان لهذا الإعلان الرئاسي الصيني أثر إيجابي في المنطقة العربية عامة ولدى الشعب الفلسطيني على نحو خاص، حيث قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إن موقف الصين من القضية الفلسطينية يعيد التوازن لمواقف المجتمع الدولي في ظل الانحياز الأميركي لإسرائيل، والذي بلغ ذروته بنقل سفارة واشنطن إلى القدس في تحدٍ واضح لقرارات الشرعية الدولية متمثلة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. ولا شك أن هذه المبادرة ستكتسب وزناً أكبر من خلال الزيارة التي يقوم بها الرئيس الصيني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، صاحبة الدور التاريخي والبارز في دعم القضية الفلسطينية. ويتعزز هذا الأمر إذا وضعنا أمامنا التصريحات الرسمية المعبرة عن التقدير الإماراتي العالي للتعاون مع الصين ولمكانتها وثقلها على المستوى الدولي والدور الذي يمكنها القيام به لإحلال السلام في المنطقة والعالم. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فإن جمهورية الصين الشعبية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تلعبان دوراً محورياً في استقرار المنطقة ومستقبلها الاقتصادي، وإن الصين عملاق اقتصادي، ولها دور سياسي عالمي، ودورها مؤثر في استقرار الاقتصاد والسلام في العالم.