لم تعد مشكلة الشهادات المزورة باختلاف أنواعها مشكلة صغيرة، كما يظن البعض، بل تحولت مع مرور الزمن وضعف الوازع الديني، والقيم الأخلاقية، والأمانة العلمية، إلى ظاهرة خطيرة، تمس الوطن وأمنه القومي، خاصة بعد كثر المتهافتين وراء الشهادات العليا ووراء الألقاب للوجاهة الاجتماعية والمنصب، وهذا التهافت الذي أصبح بطرق ملتوية غشاً للمجتمع، لأن الشهادة تمثل أهمية بالغة للمجتمع، ومعقلاً لإثرائه بالعلم والمعرفة والبحث العلمي والقيم الأخلاقية النبيلة التي تثري الوطن، وتعمل على تقدمه، ومع تدني الضمير الأخلاقي والأكاديمي والعلمي تدنياً مخيفاً، نشرت مجلة المصور، في 14-01-1994، عنواناً لافتاً للنظر على غلاف المجلة بعنوان: «لصوص بدرجة دكتوراه»، تحدثت فيه المجلة عن خطورة هذه الظاهرة على المجتمع مع كبار المفكرين والأكاديميين والمثقفين، وورد آنذاك أن القضاء المصري في تلك الفترة يحقق في 70 قضية حول رسائل ماجستير ودكتوراه مسروقة أبحاثها من دراسات ورسائل سابقة، وأن رئيس أحد الأقسام العلمية في واحدة من أكبر الجامعات المصرية سرق جميع إنتاجه، وبرغم ذلك يشرف على رسائل دكتوراه، ويتخرج على يديه الكثير من الطلاب، ومما جعل الظاهرة تنتشر أكثر وأكثر أن بعض المشرفين على رسائل الطلاب الجامعية حصلوا على شهادتهم العلمية بالطريقة الملتوية نفسها.
وقد جاء في مجلة روز اليوسف، «28-05-2010»، أن أحد أعضاء هيئة التدريس تقدم برسالة لنيل درجة الدكتوراه عن «مباحث القرآن الكريم»، ثم تبين بعد ذلك أن الرسالة مسروقة من رسالة أخرى سابقة.
وفي كتابه: «ماذا علمتني الحياة» يقول الدكتور جلال أمين: «جاءني طالب من طلاب الدراسات العليا ليقول لي إن مدرساً وزّع على الطلبة بعض المذكرات، جزء من هذه المذكرات المكتوبة عليه اسمه، مأخوذة بالنص من كتابي الذي كنت أدرسه لطلبة بالسنة الثانية من سنوات الليسانس، وهو كتاب معد لطلبة مبتدئين في دراسة الاقتصاد، ولم أكن أتصور أن يُدرس لطلبة الدراسات العليا، وأن يضع اسمه بدلاً مني، وعندما شكوت الأمر للجامعة عن ذلك اعتذر لي، وقال إنه على استعداد لأن يقسم معي الربح الذي حققه من توزيع المذكرات.
وزير التعليم السعودي السابق الدكتور محمد أحمد الرشيد، يرحمه الله، ذهب مع معالي الشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء للولايات المتحدة الأميركية، للتأكد من بعض الجامعات وصحة شهاداته، ووجدها عبارة عن شقة سكنية!
لا شك في أن من يسلك طريقاً فاسداً في الحصول على الشهادة يسلك الطريق الفاسد نفسه ضد وطنه ومنصبه ووظيفته ومجتمعه.
يقول الدكتور عبد الله الغذامي، الناقد السعودي، في إحدى محاضراته: "أسوأ لقب يُقال لي يوم يقال لي دكتور وأفضل لقب يقال عبد الله أو أبو فلان، الشهادة ليست هي التي تصنع أحداً، ما صنعت الشهادة الجاحظ ولا سقراط، وما صنعت المتنبي، ولا شكسبير، ولا بيل جيتس، أخطر شيء على الإنسان المنصب والشهادة، حيث يظن أنه بهذه الشهادة سيصبح صاحب «علم» وصاحب «حق»، وليس صاحب «إنجاز»، العلم ذاته ليس ورقة شهادة، ويستشهد بقول الإمام الغزالي، الذي قال: (طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله).. وللحديث بقية.