في يوم انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، كنت ضيفاً على إحدى قنواتنا المحلية، سئلت هل فوجئت من هذا الاختيار، فأجبت بلا، مثلما لم أفاجأ بانتخاب أوباما الأكاديمي، وريجان السينمائي، وروز فلت الصحفي، فهذه أميركا التي لم يدرك البعض حقيقة السياسة التي تديرها وتدير العالم من حولها للدوران في فلكها.
وبعد مرور قرابة عام على ولاية ترامب ضرب العالم أخماساً في أسداس من قراراته «التويترية» التي أوقفت العالم على أطرف أصابعه. التقيت على هامش أحد الاجتماعات الرسمية مع مسؤول إعلامي كبير في إحدى الشركات الإعلامية الضخمة، وكان ترامب مدار الحديث وشعور هذا المسؤول بالخجل من كون ترامب رئيسهم، فخالفته هذا الشعور العاطفي أو الأخلاقي الذي لا مجال له في سياسات الدول التي تتأسس على البراجماتية والمصالح التي لا علاقة لها بالصداقة ولا بالعداوة، فهي مجرد مصالح متبادلة منزوعة من دسم الأخلاق والقيم المتعارف عليها في الحياة اليومية لأفراد المجتمع. فأشرت إلى أن ترامب في رأيي منفعة، يكفي أنه رفع القدس والقضية الفلسطينية إلى قمة عناوين الصحف والمجلات وعبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تغفل عينا ترامب عنها، فبعد غياب هذه القضية المحورية للعالم أجمع بلا استثناء عن الساحة الدولية وخاصة عند حلول «الربيع العربي» الذي جر على الأمة العربية والإسلامية ويلات فوضى الدمار.
نؤكد القول بأن أميركا المتفردة بحكم العالم ليست ترامب مهما أوتي من مال قارون، وصلاحيات فرعون هذا الزمان.
فأميركا الحقيقية ليست في شخص ترامب، بل في أكبر ثلاث مؤسسات تدير أميركا إلى التقدم، وهي متمثلة في وزارة الخارجية والدفاع والكونجرس، فمن يملك قدرة التأثير عليها، لديه الإمكانية على اتخاذ القرار الذي قد يفاجئ العالم في قوة مفاعيله على مجريات السياسة الدولية.
من هنا تأتي قوة اللوبي الصهيوني ومعه الشريحة المسيحية المتصهينة وأباطرة المال الذين يتبرعون لبقاء إسرائيل- وإطالة أمد تطاولها على من تريد- مليارات الدولارات سنوياً، بالإضافة إلى المعونة السنوية الحكومية التي تقدر بثلاثة مليارات دولار. ويكفي أن أحد أصحاب المليارات أخذ على عاتقه بناء السفارة الأميركية في القدس بمبلغ يقارب نصف مليار دولار. وهذا لا يعني أن اللوبي الصهيوني يلعب دور المتفرج أمام هذه المؤسسات التي تمثل أهم ركائز الدولة العميقة في أميركا، بل هو من يلعب في «عبها» ويستخرج منها ما يمكِّن إسرائيل في تماديها أمام كل من يقف على طريقها وإن كانت أميركا ذاتها. أميركا ليست فندقاً ضمن امبراطورية ترامب المالية، بل هي شعب يُحاسب ويسائل رئيسه كلما انحرف عن البوصلة المحددة منذ التأسيس، والشعب لديه أدواته الشرعية وفقاً للدستور، وليست الفوضى الخلاقة ضمن أدوات تغيير الحكام، بل عبر صناديق الاقتراع، والشعب مدرك بأنه إذا لم يتم عزله وفقاً لمجريات الشأن الداخلي الأميركي، كما تنشر تفاصيله سراعاً، وليس وفق رغبات ولا تمنيات بعض المثقفين العرب الذين تنصلوا عن أساسيات التحليل السياسي الذي لا يعترف بالرغائب والأماني. النقطة الأخرى التي لا تقدم إن لم تؤخر، وهي التحليل الشامت، وأرى بأن الصمت هنا أجدى لصاحبه وأنفع.
فالذي يمد أجل ترامب الرئاسي هو الشعب للمرة الألف، وإن رغب بعض الشامتين رحيله الآن وليس غداً.
نقول سياسة ما دام «الجمهوريين» أغلبية في الكونجرس ومجلس الشيوخ، فسياسات ترامب ماضية، ولن يؤثر بوتين عليه لشبهة التدخل في الانتخابات الرئاسية. البعض في العالم الثالث لم يدرك حتى هذه اللحظة بأن النظام السياسي الأميركي لا يولِّد ديكتاتوراً، وإن كان ترامب يملك صلاحيات كبيرة، فإن صلاحيات الشعب أكبر من صلاحياته أو أي رئيس مقبل، حتى يتغير الدستور الذي لم يتغير منذ النشأة الأولى وخلال أكثر من مائتي عام إلا لمرة واحدة. وهذا الأمر يُدرس في المناهج الأميركية، بدءاً من المرحلة الابتدائية في كتاب بعنوان «السياسي الصغير».
فبناء على ما تقدم، ترامب قد يكمل فترته الرئاسية، وهو أقوى وقد ينتخب لفترة ثانية مثل أوباما وكلينتون وبوش الابن، فكلهم واجهوا أزمات كبرى، فقد يكون زمن نيكسون مختلفاً عن عصر ترامب.