معروف أن قانون القومية الإسرائيلي تشريع عنصري تثبت فيه «دولة إسرائيل» أنها دولة مارقة! وها هي نتائج القانون تتكشف بشكل متسارع بحيث تصيب سمومه عديداً من جوانب الحياة في فلسطين التاريخية. وهذه بعض أبرز النتائج المستجدة والمتبلورة.
علاوة على اقتناع المجتمع العربي في فلسطين 48 بأن القانون هو تعبير إضافي عن السياسة الحكومية اليمينية تجاهه خلال السنوات الأخيرة، فإنه قانون يستهدف أيضاً أكثر من 400 ألف إسرائيلي هاجر معظمهم من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى فلسطين بدءاً من العام 1989 واندمجوا في «إسرائيل» وأغلبهم مسيحيون أو ممن ليس له دين. وهكذا أوجد القانون جماعة جديدة غير يهودية مستهدفة لكنها مؤثرة. وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي والشاعر الإسرائيلي «يرون لندن» أن ذلك القانون «يثير تناقضاً بين هويتين، بين اليهودية (أي اليهود في العالم)، وبين الإسرائيلية (أي يهود إسرائيل)، وفيه أيضاً تناقض بين المجتمعات المنفتحة التي تلائم التطور وحركة التاريخ، وبين المجتمعات المغلقة، الرجعية التي تعبّر عن نكوص في حركة التاريخ».
قانون القومية حسم النقاش التاريخي حول مسألة: اليهودية هل هي دين أم قومية؟! وفي هذا يقول الشاعر الإسرائيلي «ب. ميخائيل»: «حدّد القانون بصوت حاد ومدوّ بأن اليهودية هي دين. ليست قومية وليست شعباً وليست أمة ولا طائفة. هي فقط دين. والطريقة الفضلى للجمهور -الطريق الوحيدة- للانضمام إليها هي عن طريق المراسيم الدينية. ليس مكان الولادة ومكان الإقامة واللغة والثقافة وشراكة المصير والمواطنة. ليس أحد الاختبارات التي تخلق شعباً أو قومية. فقط تعلم عدداً من المبادئ الأرثوذكسية والاستحمام بوجود عدد من حكماء الدين، وفجأة تصبح واحداً منهم. لهذا بالضبط يسمون ذلك ديناً».
ومع تحويل العرب، قانونياً ورسمياً، إلى مواطنين من الدرجة الثانية، سيتم تحويلهم، وتحويل من يتضامن معهم، إلى فريسة لمرتكبي جرائم الكراهية. فماكينة التحريض اليمينية أدت إلى تزايد حالات اعتداء اليهود على «الآخر»، وهو ما حذرت منه الصحافة الإسرائيلية حين تناولت قضية اعتداء يهود على ثلاثة شبان عرب من مدينة شفاعمرو وهم يستجمون في شاطئ قرب حيفا وكادوا يقتلونهم، فضلا عن اعتداء مستوطنين على نشطاء حقوق إنسان يساريين يهود متضامنين مع الفلسطينيين، بالقرب من بؤرة استيطانية عشوائية في جنوب جبل الخليل.
وفي السياق ذاته، يقول الكاتب (حيمي شليف): «قانون القومية مزق القناع الذي كان من المريح للجميع أن يرتدوه، قناع إسرائيل الديمقراطية، الليبرالية والمتنورة، التي تتعامل بصورة متساوية مع كل مواطنيها. لقد ألقى بظل ثقيل على علاقة إسرائيل بأقلياتها، وعلى المستقبل والماضي معاً. لقد هدف إلى محاربة حارس الحديقة الذي اخترعه اليمين بخياله المحموم. لقد اعتقدنا بغبائنا أن الهوية القومية لإسرائيل مرتبطة في المقام الأول بالمحافظة على أغلبية يهودية، لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك فإن الأمر في الحقيقة يتعلق بآبارتايد».
ومن جهتها، قالت «هآرتس» في افتتاحية لها: «هذا بالذات يعبر بوضوح وبلا التواءات عن التيار العميق الذي تحت الحكومة. تيار يهودي قومي متطرف، يكره العرب ويميز ضدهم، يحصل بشكل ثابت على تعبير دستوري وقانوني، وفي نهاية المطاف يتسلل إلى الميدان. إن الحكومة تجعل إسرائيل دولة آبارتايد عنيفة».
«قانون القومية» سيسهل على الكنيست تشريع قوانين بصبغة يهودية عنصرية دون اعتراض من أحد. ومن أخطر ما هو متوقع، الاستناد إليه لضم الضفة الغربية، إضافة إلى مزيد من القوانين العنصرية ضد فلسطينيي 48 وتهويد القدس. وهذا القانون سوف يصبح مصدراً لتفسير القوانين والنظام القانوني، ولن تقتصر عواقبه على عدد قليل من المجالات بل ستؤثر على النظام القانوني من جذوره، خاصة إذا استمر اليمين الإسرائيلي في تعيين قضاة محافظين للمحكمة العليا، التي ستستخدم هذه القاعدة الدستورية الجديدة لتفسير القانون. في ضوء المستجد: يهودية إسرائيل تعلو على سيادتها وعلى الديمقراطية. وفي مقال مشترك، استخلص «أفنير بن زكين» و«يورام تسفري» العضوان في حزب العمل أن: «قانون القومية هو فرصة لمواجهة التحدي الذي طرحه اليمين، ولكي نفهم أنه إذا لم تكن إسرائيل ديمقراطية فإنها فعلياً لن تكون دولة».
ونختم هنا بصرخة الوداع، من الراحل قبل أيام، الكاتب اليساري «أوري أفنيري»: «مَن نحن، بحقِّ الجحيم؟ يظهر لنا قانون الدولة القومية اليهودية الجديد بطبيعته شبه الفاشية بوضوح. يجب أن نقرر من نحن، وماذا نريد، وإلى من ننتمي. وبخلاف ذلك، سوف نكون محكومين بحالة أبدية من عدم الثبات والوجود المؤقت».