«جحيم الأرض»، لم يطلق هذا الوصف على أي بقعة في العالم رغم حدوث الكوارث تلو الأخرى، إلا على سوريا الحاضر والمعاصر. نستطيع القول من لا يقاتل هناك، بدل من يقاتل؟! على المستوى العالمي هُناك تحالف يضم أكثر من ستين دولة لمحاربة الإرهاب، ولو تعمقنا أكثر لوجدنا قرابة خمسة عشر فصيلاً من الداخل يقاتل ضد النظام، لا علاقة لها بـ «داعش» وإن كانت مصنفة إرهابية. القتل وحده هو سيد الموقف، لو أردنا أن نصنف أو نتابع حركة القتل بين جميع المتحاربين، لاحترنا في القيام بعملية فصل بين القوات.
فالقوات السورية والروسية والحرس الثوري الإيراني وعناصر من "حزب الله" اللبناني، تطال الشعب السوري دون تمييز بين المعارضة والثوار من الذين التفوا حول كل «الجنيفات»، وكذلك «الأستانات».
بالمقابل تداخلت خطوط التماس مع قوات النظام التي استهدفت من قِبل إسرائيل والضربة الثلاثية في أبريل الماضي عن طريق أميركا وبريطانيا وفرنسا، وفي يونيو الماضي أيضاً من طرف بريطانيا وحدها.
نذهب الآن إلى حيث خطوط التماس والتشابك العسكري في الميدان العملي على الأرض أو من جو السماء ومن البحر.
على هذه الأرض التي أنبتت أرقى الحضارات الإنسانية المتعايشة، تدور رحى حرب طاحنة، طحنت أولا أثمن ثروة في سوريا الإنسان الذي يفتخر به الوطن. وطحنت من بعده ثروة التنوع، التي سماها المستعمر الفرنسي السابق، وذلك على لسان ساركوزي، في آخر محاضرة له قبل فترة وجيزة. إسرائيل طبعاً حدث عنها ولا حرج، فهي تستبيح ضرب أي دولة عربية متى شاءت ومبرراتها جاهزة مسبقاً، فكيف بسوريا، وهي على مرمى البصر، واغتصابها لهضبة الجولان واحتلالها المسكوت عنه منذ عقود، ولم يجرؤ النظام الحاكم الذي يمطر شعبه ببراميل البارود، جرح إصبع جندي إسرائيلي واحد.
إسرائيل اليوم أجرأ للقيام بعمليات نوعية في القلب السوري، لمبررات استجدت على الساحة الداخلية من تواجد «داعش» والميليشيات الإيرانية و«حزب الله» بكامل عدته وعتاده، علماً بأن إسرائيل ليست بحاجة إلى كل تلك الأسباب، لممارسة البلطجة العسكرية متى راق لها ذلك.
وروسيا باستدعاء سيادي من الأسد وهي الحليف الأول، عندما تشتد الأزمة التي تسبب بها النظام منذ أكثر من سبع سنوات ضجت بالمكاره والكوارث، خاصة أن روسيا وسلاحها الثقيل بمعنى الكلمة، قد تم اختبارها في أكثر من أزمة، وفي المقدمة أفغانستان والشيشان وأخيراً في القرم حيث شوكتها لا تزال باقية بعد. والجارة تركيا التي كانت حليفة استراتيجية قبل أن يحين موعد «الربيع العربي»، والتي طالبت بعد الأزمة بزوال الأسد، دخلت على خط الأزمة من الباب الكردي العدو التاريخي لها منذ زمن طويل وخاصة من المطالبين بدولة كردية تقضم أجزاء من الأراضي السورية والتركية والعراقية والإيرانية، مما يجعل من الجميع في وضع التشابك الإجباري نظراً لتداخل مصالح هذه الدول الجارة، وقد جارت على بعضها البعض بصورة أو بأخرى. فعلى المستوى الدولي، هناك لغة مشتركة للمصالح المتضاربة في باطن هذا الجحيم الذي لم يخبُ أواره ولم تبرد ناره. ولقد ساهمت هذه المصالح في إضرام المزيد من التعقيد والتشابك التي هي أشد من شباك الصيد عندما تلتف خيوطها التي لا يفيد معها التقطيع في إصلاح ما أفسدته لغة المصالح المتضادة.