طالبت زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني منذ أيام قليلة سلطات التحقيق الإسرائيلية بضرورة التفرغ لإنهاء التحقيقات الجارية في قضايا الفساد المنسوبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقالت: لابد أن تكون عجلة العدالة أسرع قبل حدوث أي انتخابات.
هذه المطالبة تعكس قلق المعارضة الإسرائيلية من أن تتباطأ سلطات التحقيق لتعطي الفرصة لنتنياهو للإفلات من العقاب القانوني، وذلك عن طريق قيامه بالدعوة لإجراء انتخابات مبكرة.
مبعث قلق المعارضة نابع من أن نجاح نتنياهو في إجراء الانتخابات المبكرة قبل صدور حكم قضائي بإدانته سيعطيه الفرصة للفوز في الانتخابات، وبالتالي العودة لمقاعد الحكم وهو أكثر قوة من الناحية السياسية، وهو أمر سيؤثر على سير التحقيقات لمصلحته باعتبار أن الجمهور قد جدد ثقته فيه.
من الأسئلة المهمة هنا: لماذا تبدو المعارضة متأكدة أن نتنياهو سيكسب الانتخابات القادمة ما لم يصدر ضده حكم قضائي.
الإجابة هي أن المعارضين اكتشفوا خطأ جوهر دعايتهم ضد نتنياهو، وهو الجوهر الذي يقوم على فكرة أن نتنياهو يمثل خطراً على إسرائيل بتطرفه ضد الفلسطينيين وتعنته في المفاوضات معهم وتصميمه على توسيع الاستيطان في الضفة ورفضه قيام دولة فلسطينية.
كانت دعاية المعارضة طوال حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما تقول إن نتنياهو بمعاندته لرغبة أوباما في تحقيق السلام يعرِّض مصالح إسرائيل العليا للخطر ويهدد التحالف الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة مصدر الدعم الرئيسي لإسرائيل والتي يعلم كل إسرائيلي أنها الحامي والراعي لدولته.
اليوم وبعد رحيل أوباما ومجيء الرئيس ترامب، أصبحت المعارضة الإسرائيلية تدرك أنها في ورطة وأن بضاعتها السياسية لم تعد تغري الناخب الإسرائيلي، لأن نتنياهو أصبح قادراً على الجمع بين أمرين؛ الأول تحقيق أطماع اليمين بالاستيطان في الضفة والقدس، والثاني التمتع بالتأييد التام من جانب الولايات المتحدة ورئيسها ترامب والطاقم الذي عينه لبلورة مشروعه للسلام بقيادة زوج ابنته (كوشنير).إن المعارضة التي يمثلها التحالف بين حزب العمل وحزب ليفني أصبحت إذن في ورطة سياسية، وأصبحت تدرك أنه ما لم يتم استبعاد نتنياهو عن الحياة السياسية بحكم قضائي، فإن حملته الانتخابية ستكون ناجحة، حيث سيديرها على أساس تطمين الناخب الإسرائيلي بالقول إن سياساته المتشددة بشأن القضية الفلسطينية قد نجحت نجاحاً كبيراً، وحققت لإسرائيل مكاسب هائلة ما كان يمكن أن تتحقق لو كانت المعارضة في الحكم.
وفي هذا الإطار سيمكن لنتنياهو أن يستأنف حملته النقدية التي بدأها في التسعينيات على معسكر السلام وسياساته بقيادة حزب العمل.
وفي هذا النقطة سيبين للناخبين أنه كان أول من عارض اتفاقية أوسلو التي وقعتها حكومة حزب العمل في شهر سبتمبر عام 1993.
وسيمكن لنتنياهو أن يذكر الجماهير بحملته التحريضية آنذاك ضد اتفاقية أوسلو ويعيد إحياء اتهاماته لرابين وحزب العمل بأنهما قد فرّطا في ما يسميه «أرض إسرائيل التاريخية» بالتوقيع على أوسلو وسلّما قلب أرض إسرائيل للأعداء الفلسطينيين طبقاً لهذه الاتفاقية!
هنا سيمكن لنتنياهو أن ينسب لنفسه «الفضل» في صدور قرار الرئيس الأميركي ترامب في ديسمبر الماضي، أي اعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
كما سيمكن لنتنياهو أن يسوِّق نفسه للجمهور بالزعم أن مطالباته المتشددة للإدارة الأميركية بشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين من جدول مفاوضات الحل النهائي قد نجحت، حيث استجاب له ترامب واتخذ قراراً بإضعاف وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن طريق تقليص الدعم المالي الأميركي لها.
ويبقى السؤال معلقاً: ما مصير نتنياهو بين اتهامات الفساد ونجاح سياسة الأطماع التوسعية؟