تمر بالشوارع مثل غريب، تائه، مفكراً في هذا الضيف الثقيل الذي اقتحم دارك الجميلة، هذا الذي يأخذ أشكالاً عجيبة في خبثه، ومخاتلته، ربما يضحك ويهزأ بكل ما أنجزه الإنسان، فرحاً سعيداً بأنه الأقوى من كل التحصينات التي شيدت!..
والإنسان الذي يعتقد أنه يمسك برأس الحقيقة والإنجاز، السادن في زمنه ووقته لم يهتم بالأهم!!
لن نقول مهتم بلَهْوِه، ولكن عدم تحسبه لخبث هذا المتسلل العابر للحدود، سريع الانتشار والتحول، العدو الخبيث «كورونا»، جعل هذا الفيروس هو السيد الآن، السائد والبائد للناس، ولكن الإنسان الذي وهبه الله العقل والحكمة والعلم والعلوم سوف يهزمه، وقد فعل في ميادين وبلاد كثيرة، حتى تلك التي باغتها هذا المرعب، الإنسان وهبه الله العقل والعلم، وبهما ينتصر دائماً على كل الصعاب.
بيد أن هناك درساً كبيراً وعظيماً علمنا إياه «كورونا»، هو أننا على أبواب تبديل كل شيء- إن كان الدرس قد وصل للذين تعنيهم الإنسانية والبشرية - وهو إدراك أهمية أن يكون الإنسان وعلومه وصحته، وأيضاً قوته في ازدياد المعامل والمصانع والمختبرات والعلوم، وأن تبدل الأولويات في الحياة، بحيث يقدم الأهم الذي يظهر في المحن والأزمنة الصعبة كهذه الحالة التي تمر بنا الآن، حيث ثبت بالواقع أن في المجتمعات ركائز مهمة، لا بد من الاهتمام بها والعناية الكبيرة بها أولاً؛ بدءاً من الرجال والأفراد الساهرين على الأمن العام، الجنود والعسكر الميدانيين الذين يواصلون الليل بالنهار على ثغور الوطن وحدوده، والشرطي الساهر في المدينة والشارع، ثم يأتي الكادر الطبي بكل من فيه، ثم يأتي المعلم والمدرسة والكلية والجامعة، وأدوار هذه الركائز الثلاث في صنع الحياة، وتقدم المجتمع وحراسة أمنه، وسلامة صحته وأرضه وحدوده.
بعد هذا الذي يحدث، هل نخرج بصورة مغايرة وبفكر مختلف، هل سيكون الطبيب والطاقم الطبي والعسكري والشرطي الميداني له أهمية أكبر مثلاً من لاعب كرة مملوءة بالهواء؟!، وهل الأبحاث والمختبرات ومباني المدارس ومرافقها وأدواتها أكثر أهمية من منصات الخطب والمهرجانات البالونية الملونة؟ هل سيعيد الإنسان الموازنة بين متطلبات الحياة العامة والخاصة، هل يعيد التفكير والترتيب بما يوازن كل شيء ويعطي كل حق أهميته، أو تعود حليمة إلى عادتها القديمة؟
نعم، سوف نفرح قريباً جداً، ونتجاوز هذه الهزة الصغيرة التي طافت أرض الله الواسعة، كم نحن سعداء بهذا الاهتمام والعناية بالناس والصحة والأمن والسلام، إنها أرض السلام والمحبة وصدق النوايا وصفاء القلوب، نحن على مشارف الاحتفال بانجلاء هذا الوباء والفرحة العارمة، أيام ثم نوقد الشموع ونعزف أغاني الانتصار، إنها الإمارات بلد الجمال والحب والشمس المشرقة دائماً على الفرح.