يعود تاريخ الطبل إلى أزمان بعيدة، إلى الآلاف من السنين، حيث تداخلت قيمته في أشكال شتى من حياة الإنسان، دخل في الفرح، والحزن والحرب، وفي طقوس العبادة. فشكّل قيمة ضرورية لا غنى عنها، استعان به الإنسان الأول في الفرح كالتزاوج والصيد والرقص، واستخدم في الإبلاغ أو الإعلان عن حدث في عصور مختلفة للبشرية، للإعلان عن بيان أو قرار ملكي أو كهني وما شابه، أو للحرب، إذ يقال دائماً عند بدء إرهاصات الحرب إن طبول الحرب تقرع أو قرعت، حيث تشب النار ولا تخمد بعد قرع الطبول. ولكن لماذا الطبول هي التي تستخدم في ذلك وليس آلة أخرى؟ بالتأكيد أن الهدف من استخدام الطبول هو إيصال النبأ إلى أقصى أذن يمكنها السمع، أي أن هناك رغبة عظمى لدى مستخدمي الطبول كي يمدوا مناسباتهم فرحاً كانت أو حزناً أو حرباً، إلى كل الناس. وبالرغم من أن البوق قد استخدم في الكثير من المناسبات وخاصة الحروب، إلا أنه لم ينافس الطبل قامة وحضوراً. وبقدر ما يعنيه استخدام الطبل في إعلان النبأ من رغبة في إظهار ذات الجماعة، هو في الوقت نفسه تعبير عن الحاجة، حيث يكون في مناسبة دعوة إلى المشاركة في حدث ما، مثل الفرح، أي أنه يؤكد أن الكائن البشري اجتماعي بذاته تتملكه الرغبة في مشاركة الآخرين فرحه، نشيده والرقص. وفي مناسبة أخرى، تكون الطبول استنجاداً وطلباً للعون حين تكون السيوف قد سلت وقدر الموت قد بدأ ينهض، ومُلكاً صار عرضة للزوال؛ تقرع الطبول للاستنجاد عند قوم وللترهيب عند آخرين، وتقرع الطبول لشد أزر المحاربين بإيقاعات تختلف من حضارة إلى أخرى. وعلى مر التاريخ كان ومازال الطبل هو إيقاع الموسيقى ووزنها، وبمثابة القلب في جسد الكثير من الأعمال الموسيقية؛ هو دليل القدم للرقص والريح التي تمايل الجسد حين تنتشي المفاصل على ساحة الرقص. وفي فنون كل الحضارات يوجد الطبل، له طقوس خاصة في قرعه وفي شكله، حيث يتفنن الحرفيون في صناعته التي تراعي كثيراً ثقافة وتقاليد المكان الذي تصنع فيه، وكذلك قوة ومدى صوت الطبل. الطبل تجويف فارغ إلا أن هذا الفراغ له من القوة والقيمة قدرة هائلة للتغيير، لتغيير من حال إلى حال بفعل الصوت الذي يصدر منه والمعنى والقيمة التي يحملها. ففي الجسد الجامد، يحدث صوت الطبل حركه تتصاعد حتى أنها تؤثر على المزاج فلا يعود كما كان، بفعل ما يستدعيه الإيقاع من ذاكرة مسترخية في قاع الذهن تحتوي على الموروث الفني الثقافي والارتباط الشرطي بمناسبة جميلة حاكاها واستعادها الإيقاع الصادر من الطبل.. وهذا يحدث فردياً وجماعياً. وفي اللحن يرفع صوت الطبل النسق الموسيقي، ويتحرك برشاقة على سلالمه. فالفراغ في الطبل قابل لأن يشحن وغير قابل لأن يُشحن، أي أنه فراغ قائم بذاته، فراغ موجه وليس فراغاً بحاجة إلى توجيه أو امتلاء، ومن هنا يكون الطبل هو الفراغ الفعال بذاته، وبه تحتفل العديد من الشعوب، خاصة الشرق الآسيوية والأفريقية. لذا لا يمكن الاستهتار بالطبل، واستخدامه في نعوت سلبية للأشخاص مثل الفراغ الفكري والصوت الخالي من الفعل؛ فالفراغ بالنسبة للطبل هو امتلاء وفعل مؤثر في الوجود البشري منذ آلاف السنين وحتى اليوم. saad.alhabshi@admedia.ae