هذه المرأة. مثل أغنيةٍ ترفرف رموشها، ومثل جناحين ترتفع يداي لها. كأنها النهرُ وأنا ضفتاه تلتقيان عند فاصلة تُفتح، أو كأنني الماءُ وهي منحدر شلالي إلى البحر عطشانةٌ مراسيه منذ وداعنا. لم أقل وصفاً يشبه اسمها، ولا لوّحتُ للشمس أعاند غروبها، ولا جرى قلمي على ورقٍ ودوّن سرد معناها. هي امرأة وُلدت من حنين الأشجار إلى مطرٍ نبيّ. والداها الليلُ والنهار ينقلبان على بعضهما في حلبة الضوء، والزمان شرشفها، والمكان مدىً إذا اقتربت، أو قسوةً نافرٌ جرحها إذا صدّت وجرَّ نظرتها نحوهُ سرابُ واشين. سأبدأ من طفولة الخطوة، عندما تعامدت ساقاي أطولَ من برعمين، ورحت أركضُ خارجاً باباً بعد باب، وتلاً بعد جبلٍ، وجبلاً بعد غيمة. محمولاً بمخالب نسرٍ أطعمتُهُ لبّ الخيال، وفتحتُ له جسر النافرين من قدر الدائرة. وما شدّني ليس احتمال عينيها، ولا أن أرتمي في كفّها صائناً حظي بالمعجزات. لا، ما أردته كان أن أضع المجرات في صُرةٍ، وأن أمشي في الأكوان فقيراً يفتّش عن بذرة الصفاء ليبادلها برماد الدهر كله. وما من صفاء إلا إذا نزعت قناع البصيرة، وقلتُ للكلمات: هبّي لغسلي في الصمت. وقلت للوقت: قف، إني لو ترى، استمرارك. هذي أصابعي مغموسة في الحبر، وأنا بالكاد أنطق باصماً على جبين كل ورقة، وكل سحابة، وكل تنهيدةٍ في تنفس الوجود، هي أيضاً شهقةُ أنني أناديها. سأنتهي نثراً. ذلك لأن امرأة مثلها يدٌ للمكبوت تحت جبل، عينٌ لمن أعصبوه ودفعوه حافياً في حقل عقارب وأشجار شوك. قل قلماً، أو افرش لسانك رسالةً خرساء واصمت. هنا، في لحظة تضور جوعك للحقيقة، في الساعة التي ينهشك فيها توقك للأمل، لا مكان للمعنيين. خذ نقيضك واقلبه على نقيضه وافلق بيضة الشك، ثم تعال ليهتدي قلبك لسيّده. وليدرك عقلك أن ما تراه، هو صورة الوهم متأنقاً في عماك. وأنك، إذا لم تناديك باسمك، مجرد سقوط ورقة، أو اصطفاق نافذةٍ في ساعة زمهرير هشّ. وسيكون عليك، قبل أن تتهشم فحواك، أن تبدّل قلبك إلى بلبلٍ. وأن تكشط عود كبريتك الأخير في ظهر ناقةٍ، وتصعدها عابراً نصف الظلام، وكل الكلام. لعلك إن وصلت تصير نجمة، ويُشار إليك وأنت تلمع في ثوبها الذي بطول الليل كله.