فقدت الحيوانات غذائها بعد أن تهاوت الأشجار خاوية، وتسبب سقوطها في تدمير المخيمات وتهشيم السيارات وإشعال الحرائق بسب تقطع أسلاك الكهرباء، بل وتسبب فناء هذه الأشجار في تعرض التربة للانجراف. قبل كل هذه الفوضى كانت الصورة رائعة مليئة بجمال اللون الأخطر ودرجاته.. إلى أن تميل إلى البني، في مشهد بديع واسع يمتد آلاف الهكتارات من الأراضي حيث تشمخ أشجار الصنوبر في غابات أميركا. تمر على هذا المنظر بجلاله فيمتلكك شعور بأن هذا الجمال كامل وثابت ومتين. نظرة قصيرة عابرة لا تعني في عمر الحقيقة شيئاً، فالأشياء في مظهرها الخارجي متكاملة مليئة بالعافية، متألقة في أحيان كثيرة، لا تعيبها شائبة. هكذا تبدو كل الأشياء عندما تقع عليها النظرة الأولى، لأنها عامة وسريعة، تلك النظرة التي لا تتعدى الطبقة الخارجية للقشور. وهي في الحقيقة النظرة الأولى لأغلب البشر الذين يبهرون بالعوالم الضخمة، ليسوا مكترثين لأي درجة يمكن أن تكون هذه الضخامة حقيقة لها جذور متينة قادرة على المقاومة والصمود. تلك النظرة القاصرة ليست كافية إطلاقاً لرؤية الكائنات المتناهية في الصغر التي تأكل قلب كل هذا الشموخ والبهاء، تحفر في عمقه بهدوء وقسوة، تنهشه بلطف. خنفساء صغيرة بحجم حبة السمسم تعرف طريقها تماماً، تتسلل داخل لحاء شجرة الصنوبر وقلبه، وتبدأ في عملها بتصميم، وتنهيه بعد أن تطمئن أنه أصبح شبح جذع. نواجه في الحياة نماذج تشبه أشجار الصنوبر تلك، نماذج تبدو باكتمالها وألقها بهية، تتمنى الاقتراب منها لتجد ولو القليل من ألق نورها أو حتى الركون تحت ظلالها الوارفة، فيما إنها خاوية مهزومة العمق، نخر فيها وعبث بحقيقتها البعض، حتى باتت مجردة من أي مضمون ومتكئة على اللاشيء. هناك طرق أخرى لتكوين عوالم متكئة على الفراغ، إنها العوالم التي ننمي فيها الشكل الخارجي ونعتني كثيراً بتلميع قشورها وبهرجة حضورها، لأغراض دعائية قد تتعارض أحيانا كثيرة مع أهداف إنشائها أساسا. يحدث ذلك دوما، ورغم عدم ثبات ما نصنعه وانهياره في وجه أي ريح معارضة، لا نقف قليلا ونتساءل: لماذا حدث ذلك؟ وحتى في محاولات البعض للإجابة، نجد أنها تنحصر في مضمون القشور، بعيدة عن العمق، تتكئ على الفراغ.