ليس لي ناقة ولا جمل، ولا علاقة بالإبل والحلال. مرة واحدة في طفولتي ذهبت إلى عمق الصحراء، حيث تسكن المغفور لها سلامة، والدة أحد المعارف، لزيارة أمه في (غفر)، وهو موقع صحراوي ومرعى ومسكن للبدو وحلالهم. تمتّعت بأكل لحم الضب والرز في مساء شتوي رائع، غير ذلك لا أعرف البرّ ولا الإبل والغنم، ولكني أعشق الظفرة وأهلها وجمال وروعة تلك المنطقة ورمالها الذهبية وذاكرة ليوا، رمالها ونخيلها، أعرفها من خلال ما تحدّث عنه الأهل القدامى. أتذكر العجوز مينة والبكاء الذي لا ينقطع عن نخيل وأرض أجدادها وأهلها هناك، وكذلك المرحومة عوشة بنت خلفان التي ظلّت تلاحق الذاكرة وبقايا النخيل، حتى منحها المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قطعة أرض زراعية في أرض أجدادها بليوا. كل هذا الذي أعرفه عن الصحراء والأراضي الداخلية الرملية من أرض الإمارات الحبيبة. الآن لديّ هوس بمتابعة محطة بينونة الرائعة التي تنقل مهرجانات الإبل والمزاينات، وأيضاً برامج شاعر المليون، وكأنها تدفعنا بأن نظل قابضين على الذاكرة حتى لا تفلت منا، وألا تسرقنا المدن والجديد فيها. شباب منطقة الظفرة وناسها الرائعون دائماً يقدمون وجه الإمارات الجميل: أرضهم وتراثهم وحياة أهلهم وأجدادهم. ومثل هذه الإطلالة والحضور الجميل لمهرجان في غاية الأهمية، على الصعيدين الإنساني والوطني ينتج عنه الاهتمام بالثروة الحيوانية، خاصة الإبل، والتي لها مكانة خاصة ومهمة عند الكثير من الناس، والتي تم تطوير الاستفادة منها في السنوات الأخيرة كواحدة من مصادر الإنتاج الغذائي ليس لحومها فقط، وإنما ألبانها التي أوجدت مصانع ناشطة آخذة في التطور والحضور في جميع أسواق الإمارات. فتطوير مهرجان مزاينة الإبل، وما يصاحبه من أنشطة ومنتوجات محلية وتراثية هو أكبر داعم ومشجع للناس على الاهتمام بالإرث الثقافي والتراثي لأبناء القبائل التي طوعت الصحراء عبر مسيرة طويلة في التاريخ. الظفرة، بينونة، ليوا، غياثي والرويس ودلما وبحرها الجميل تسكن في القلب والروح والوجدان. مرّت بنا أعوام طويلة، ونحن نقطع مسافات بعيدة من دبي إلى هذه الأماكن لمتابعة الأنشطة الثقافية والفنية والتعليمية، ودائماً ما تبهرنا منطقة الظفرة باندفاعها وريادتها على الصعد كافة. إنها منبع الحب والجمال والإخلاص والعمل في ظهور الإمارات دائماً بالصورة الأجمل والأروع، لذلك لا غرابة أن تنجح وتتطور كل المهرجانات هنا في الظفرة بلاد الرجال والجمال والوفاء.