هل الذكاء هبة الطبيعة والوراثة فقط؟ هل يولد البعض ذكياً والبعض غبياً أو أقل ذكاء؟ وإذا كان البعض غبياً والبعض ذكياً فمن المسؤول عن الذكاء والغباء عند البشر؟ الكروموسومات التي تنتقل عبر قانون الوراثة أم التربية التي يتلقاها الإنسان في مسيرة حياته؟ إذا لم يولد الإنسان معاقاً منذ تكونه في الرحم، فإن كل البشر يولدون أسوياء. وإذا لم تتعطل هذه السوية لمرض أو حادث فإن إمكانية الذكاء وتطوره عبر مسيرة الإنسان تظل متماثلة عند كل البشر وكل الشعوب. والافتراق لا ينشأ إلا بسبب نوعية الثقافة التي يتلقاها الإنسان عبر وسائل التربية، في المنزل، في المدرسة، في المنظومة الاجتماعية التي تحكم حياته عبر العادات والتقاليد، والمنظومة الاقتصادية والسياسية واللاهوتية التي تحيل فعل الإنسان وقدراته إلى منظومة قدرية، يعتقد أنه غير قادر بذاته على تغيير مسارها لتقرير مصيرة. نسميها بلغتنا الشائعة “الاتكالية”. وفي الإيمان بالاتكالية يغيب عن الإنسان إدراك قدراته الطبيعية، ويجهل بسببها الطاقة التي يختزنها الدماغ البشري في تطوير حياته وذكائه الفطري. اعتقدت البشرية عبر العصور وإلى اليوم أن الذكي قد ولد من أبوين ذكيين، وكذلك الغبي. دون أن يتساءلوا فيما إذا كان الأبوان ذاتهما قد ولدا غبيين أو ذكيين. أو أنهما قد ولدا في ظروف حالت دون تطور ذكائهما، ثقافياً وتربوياً. وحيث يصعب تقصي أسباب ذكاء الأبوين أو غبائهما والحكم على ورثتهما بالحالة ذاتها فإن الشك طريق للكشف والمعرفة. في قراءتنا لسير المبدعين في شتى مجالات الحياة وعبر العصور، نلاحظ غالباً أن الإشارة إلى الأبوين لا تتضمن الإشارة إلى مستوى ذكائهما المبدع. بل إن الكثير من المبدعين والعباقرة قد نشأوا في بيئة فقيرة، أو معدمة. ولا تشير الدراسات كثيراً إلى أن «انشتاين» مثلاً ولد من أم أو أب عبقري وخارق الذكاء. هذا ما انتبه له «لويس البرتو ماشادو» أول وزير للذكاء، عين في فنزويلا عام 1978، ففي رأيه «إن الثروة الطبيعية ليست هي التي تطور البشر بل ثروة العقول، فالأمة الذكية هي الأمة التي تفكر.. ولا يمكن للإنسان أن يتطور إلا إذا اكتسب مهارة التفكير. ويؤكد على أن الاختلاف بين البدائي والمتحضر ليس بيولوجيا بل ثقافياً و تربوياً.. وليس الإنسان إلا عقلاً ، وليس العقل إلا القدرات الفكرية لهذا العقل الكامن في كل إنسان ولد طبيعياً سوياً..). فماذا فعلنا نحن بهذا العقل - هذه الجوهرة الثمينة - وكيف نستطيع أن نفجر طاقات عقولنا لنصبح كلنا أذكياء ومبدعين؟!!