تتجسد الرجولة والتربية الحسنة والأخلاق الحميدة وشهامة البدوي ورجاحة عقله وفكره النير في شخص جمعتني به الغربة بعيداً عن بلادنا، فلاح نجمه ساطعاً في سماء الذرابة ولطيف الكلام والاحترام. أتحدث هنا عن خالد بن ناصر الريسي الذي يمكن لكل من يلتقيه أن يقرأ بين قوله وفعله ما يرسخ الهوية الوطنية؛ ففي قوله ثراء وتحليل وإن تخلل ذلك ما يرطب الأجواء من مداعباتٍ ومزاح. قال لي أحدهم: «هل هذا مدحٌ وإطراء؟»! فأجبته: «هذا هو الجميل الذي لابد لنا من ذكره». قال: كيف؟! فقلت: يا صديقي، خالد بن ناصر (بوعبدالعزيز) كان مرافقاً لوالدته، وكان مقيماً في أحد الفنادق وتوطدت علاقته بإدارة الفندق ونزلائه العرب. وعندما كان عيد الأضحى المبارك بادر لجمع شمل أبناء الوطن العربي، فهيأت له إدارة الفندق قاعة، وأحضر الذبائح وحلويات العيد وكأنه في مجلس بيتهم في أبوظبي، وفي ذلك تخفيف كبير لعبء من يرافق مريضا وقد أوحشته الغربة وبعده عن المألوف». هذه المبادرة الخلاقة تركت انطباعاً غير عادي لدى نزلاء الفندق؛ ولما رجع بوعبدالعزيز إلى الإمارات بات «ميلس الرياييل» الذي عززه في الفندق خالياً من الروح والنضارة. يحكي لنا بوعبدالعزيز عن القيم والمبادئ التي اكتسبها من والديه فنشأ ملتحماً بها مطبقاً لها في مجلس والده العامر رحمه الله، فهو لايقبل التعدي أو التجاوز على العرف والتقاليد؛ فيقول :«تعلمت من المجالس الكثير وهناك عمق إنساني لحضارة دولة الإمارات؛ فالصغير يجلس منصتاً يتلقى معارفه من ملاحظة الكبار وأساليب تعاملهم مع أفراد عائلتهم وزوارهم من كبار الشأن والفئات المختلفة؛ فالمجالس تهيئ الرجال وتعدهم الإعداد الصحيح، وكما يقال المجالس مدارس.. فالابن ينشأ وهو على علم بقواعد وقوانين صب القهوة، إكرام الضيف، وسلوكيات احترام الكبير، كيفية إلقاء التحية، وأسس السلام بالسؤال عن الحال قبل القهوة وعن العْلوم بعدها، ويكون ملبياً لمتطلبات المجلس بحكم سنه واخضرار عوده، فيتخرج النشء من مدرسة الحياة كناقلٍ لموروث أهله وبلاده. يا دكتورة، كل ما يعمله الإنسان في حياته من متطلبات فلنفسه، إلا أخلاقه فهي للآخرين فهي مرآة تعكس علمه وثقافته وبيئته وأصله وفصله وشرفه ونسبه ووطنيته وولاءه وانتماءه لمجتمعه ودينة وقوميته وعروبته». للعارفين أقول، تذكروا تربيتكم واهتموا بما في داخلكم من قيم ومفاهيم تعزز الإنسان الإماراتي وحضارته، فتترك عبق أرواحكم في المكان وتذكروا مقولة جبران خليل جبران «لاتجعل ثيابك أغلى شيء فيك حتى لا تجد نفسك يوماً أرخص ممّا ترتدي»! حفظك الله يا بو عبدالعزيز وكثر من أمثالك ومِمَن بهم تتسع دائرة التأثير الإيجابي فتنعكس من زواياها وأقطارها «القوة الناعمة».