مهرجانات وأعياد وأيام وأسابيع وأعوام القراءة التي أطلقتها الإمارات العام الفائت، ظلت مستمرة بوتيرة عالية حتى هذه اللحظة. لكن رصداً عاماً لمنجزها لم يتم حتى الآن. والقراءة في عمقها هي استلهام ذكي للمعرفة وتحويلها إلى فعل متجاوز باستمرار. والأثر الذي تتركه القراءة في حياتنا، نرى ملامحه في دفقات التميز والإبداع التي صبغت روح الشباب وأعلت من شغفهم واندفاعهم للاتيان بكل ما هو جديد في مجالات عملهم، وفي طرحهم للأفكار الجديدة. ومن أثر مهرجانات القراءة، هذا الإقبال الكبير للشباب على معارض الكتب وأنشطتها وبرامجها الثقافية، والحرص على اقتناء الكتب ومناقشتها والتفاعل مع طرحها على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
أيضاً، ينبغي رصد منجز المكتبات والرفوف والأركان التي تم تخصيصها للقراءة في المئات من المباني الحكومية على امتداد الإمارات كلها. بل إن هذه الأركان التي تقدم الكتب للاستعارة والاقتناء مجاناً، امتدت إلى الفنادق في ظاهرة جميلة نتمنى أن تكبر. يضاف هذا بالطبع، انتشار المكتبات في البيوت ما يجعل من القراءة شأناً يومياً، وعادة مترسخة.
الظاهرة الجديرة بالرصد أيضاً هي القراءة الإلكترونية. والإنسان الذي يقضي الساعات على هاتفه أو جهازه الذكي، إنما هو يمارس فعل القراءة المتشظية، متنقلاً بين الأخبار والمواضيع والعناوين السريعة. وهذا النوع من القراءة ربما يفيد في تكوين الملاحظات، لكنه لا يراكم معرفة متجذرة من تلك التي توفرها الكتب المشغولة باحترافية عالية وجهد قد يمتد لسنوات من البحث والتنقيب والتساؤل الفكري والفلسفي. ففي متون هذه الكتب تكتنز المعرفة التي نبحث عنها. وبين سطورها، قد نرى وجوه الحقيقة التي نفتّش عنها منذ أسئلة الطفولة الأولى. أيضاً، يحتاج القارئ أن يدرب نفسه على الغوص العميق في عالم الأدب. في الشعر والرواية والمسرح، كونها الفنون التي تخصب الخيال وتثري حصيلة القارئ بأشكال متعددة من التراكيب والجمل والصور التي لا تتيحها إلا اللغة الجميلة. وفي هذا العالم الساحر، قد يجد القارئ متعة العقل التي لا تضاهيها أي متعة في الكون.
ومن الأثر الجميل لبرامج القراءة في الإمارات، بروز أكثر من جهة ودار نشر إماراتية تحقق الترجمة من اللغات العالمية الأخرى. على مستوى الاختيار أو على مستوى جودة الطباعة والنشر. وهي بالتأكيد ترسخ من معمار المعرفة الذي يرتفع شاهقاً في حياتنا.