لماذا احترفنا؟ لا زلنا نحاول، ولا زلنا نخطئ، ونقول إننا تعلمنا الدرس، ولكن في كل مرة تأتي أفعالنا عكس ما تشي به أقوالنا، لذلك لا زالت التجربة غير مكتملة النضج، نريد أن نتطور، ونسعى لتلافي كل سلبياتنا، ولكن النوايا وحدها لا تكفي، إذا لم تكن مقترنة بعمل جاد ومخلص، من أجل النهوض بهذه المنظومة الكروية التي لم تحقق حتى يومنا هذا، ولو جزءاً يسيراً من أحلامنا وطموحاتنا، قياساً بما أنفقنا وبذلنا، إذن لماذا احترفنا؟
الواقع الرياضي في الإمارات يسير في اتجاه معاكس لجميع القطاعات الأخرى في الدولة، هناك يتحدثون عن الفضاء والذكاء الاصطناعي، والعمل يسير على قدم وساق من أجل إنتاج الطاقة النووية السلمية، ناهيك عن التطور الهائل في مختلف التفاصيل الدقيقة، والتي تسهل من حياة الناس، أما في كرة القدم فلا زالت العشوائية هي السمة السائدة، ومشاكل بدائية عن سقف مخترق، واحتراف ليس سوى حبر على ورق، ولوائح غير موجودة، وإن وجدت فهي لا تطبق، وعن تفرغ ومدرجات فارغة، وعند المقارنة بين النموذجين نكتشف الفوارق الهائلة، رغم أن الظروف الموجودة والأهداف الموضوعة والبيئة المثالية هي واحدة للجميع.
لماذا احترفنا وجئنا بعشرات اللاعبين الأجانب، حتى يطوروا مسابقاتنا فنرتقي بكرتنا؟ لماذا كانت المنافسة المحلية هي السبب الذي جعلنا نغالي ونزايد في أسعار اللاعبين المواطنين، فأنهكنا حسابات أنديتنا البنكية التي لم تعد قادرة على مجاراة هذا الجنون، واليوم نحاول إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح؟ ولن ننجح إلا إذا تلاقت النوايا، وتكاتف الجميع خلف الهدف المنشود، وعندما أقول الجميع، فهذا يعني كل عناصر المنظومة الكروية بلا استثناء، وبمجرد أن يشذ أحد هذه العناصر عن المنظومة، ويعمل لمصلحة شخصية بالغة الضيق، دونما اكتراث بالمصلحة العامة، لن نتمكن من المضي قدماً في طريق التصحيح.
لقد كان الثمن غالياً دفعناه 10 سنوات احتراف لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية، ومليارات من الدراهم أنفقناها بلا مردود يذكر، وتجربة لو كتب لها أن تدار بشكل سليم، لكانت كرتنا ومسابقاتنا تعيش اليوم طفرة حقيقية، وها نحن نتطلع إلى أحوالنا ونواصل الجلد في ذواتنا، ونبكي كل يوم على اللبن المسكوب، لقد كان في الإمكان أفضل بكثير مما هو كائن وحاصل، والأسباب كثيرة ولكنها تفرقت بين القبائل.
المهم الآن أن نضع الهدف نصب أعيننا، ونحن نرى بوادر رغبة حقيقية في التصحيح، وإنقاذ التجربة من الفشل، لا زال الأمل قائماً في صناعة كرة قدم محلية حقيقية، يتم التعامل مع معطياتها بالورقة والقلم، فلا إفراط ولا تفريط، ولكن بضبط أطراف المعادلة، والاستفادة من أخطاء الماضي، ومعرفة مواضع الثغرات حتى لا نقع فيها مرة ثانية، حتى نواكب النجاح الذي تحققه مختلف المجالات الأخرى في الدولة، حتى نصبح محترفين حقيقيين، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. 
لذا سنراقب وننتظر، على أمل تصحيح كل الممارسات الخاطئة التي يتم ارتكابها في كرتنا، وبداية التصحيح لا بد أن تكون في الإجابة الصادقة على السؤال الكلاسيكي الذي بدأت به المقال، لماذا احترفنا؟