يبدو من العبث الكتابة في أي أمر آخر خارج مصر.. لأسباب قد لا تكفي كل أوراق صحيفة الاتحاد لحصرها. ورغم عدم اقتناعي العلمي بجملة “مصر أم الدنيا” التي يرددها الجميع، إلا أني وجدت نفسي غير قادرة على التفكير بعيداً عن هذه “الأم” وكأنها بالفعل “أم” ونحن أبناؤها نتطلع لما يحدث فيها بخوف يصل حد الرعب، وترقب وحب يصل حد العشق، وغضب يكاد يدمي القلب. على مدى أيام الأسبوع الماضي، ازدحمت واجهة الأحداث بمصر، ومصر، ومصر. ورغم اليأس الذي أصابني من كافة الأحداث في المحيط العربي، إلا أن الأمل بقي متعلقاً بهذا القطر الذي يمكن أن يغير الحدث فيه مستقبل الخارطة العربية. المثير فعلا أنه لماذا مصر بالذات لها هذا الحضور الوجداني غير العادي في كيان الإنسان العربي؟ هل هو تأثير نفسي أحدثه التراكم التاريخي لحضور المشهد المصري السياسي والاجتماعي والثقافي في الإعلام العربي، وبالتالي فينا كمواطنين عرب! أم أنها “أم” لنا لم تنجبنا ولم نترب في حضنها، ولكنها بقيت دوماً صاحبة صورة الأم النموذج التي يجب أن نبرها حتى لو لم يكن بيننا وبينها صلة دم أو رضاعة؟! أم أنها قناعة حقيقية بأن ما يحدث ويؤثر على مصر بالتأكيد وبلا أدنى شك سيكون له انعكاس علينا، شأنا ذلك أم أبينا! أم أنها كل تلك الأسباب! أم أن هناك أسبابا كثيرة أخرى لم ولن نستوعبها مهما حاولنا وتأملنا؟!! سأظل أنشغل في أسباب هذه العلاقة التي تربط المواطن العربي بمصر، وأنا أكيدة أن الأمر يستحق؛ فلعلي أجد شيئاً قابلاً لكي أخبر به المصريين يجعلهم ينشغلون بمصر أكثر من انشغالهم بأمور أخرى غلبت على انشغالهم بوطنهم. لقد انشغل المصريون بكل شيء عدا هذا الوطن الذي يمسنا مباشرة في بقاع فاقت مساحة مصر، مساحة كل بقاع دولنا ويزيد. لعلي أجد شيئا يخبر المصريين أنهم في وطن مهم وعظيم، وأن ما يفعلونه في غير صالح مصر التي نعرفها ونحبها، وأنهم وإن كانوا أبناءها الحقيقيين.. إلا أن بعضهم لا يستحقونها. ??? “فيها يا أخفيها” بهذا المنطق تلعب كل القوى البارزة في المشهد السياسي المصري؛ فإما ان يكون ظاهراً وبارزاً وله نصيب عظيم من كل شيء، أو سيقلب الأمور في وجه الجميع، ويحرق البلد. فأي حب لأم يعرفه هؤلاء الناس! حب الوطن فوق كل ما يمكن أن يقال عن ديموقراطية وشرعية وجموع وحتى فوق ما يمكن أن يقال عن تطبيق الشريعة، فلا معنى لأي مما سبق دون حفظ النفس والأرض، وما يتعدى ذلك فليبحث عن كلمات أخرى يعبر فيها عن علاقته بوطنه. مصر التي في خاطري، ذلك البلد العظيم الذي ابتلي ببعض من أبنائه لم يعرفوا قيمته، سيظل دوماً في قلوبنا، وسيبقى حاضرا في وجداننا الفكري والانساني، مهما فعل أبناؤه، مهما بقيت تلك العلاقة غامضة بيننا وبينها، إلا أنها ستظل “أماً” لنا وإن لم يع بعض أبنائها معنى كلمة “أم” السعد المنهالي | als.almenhaly@admedia.ae