لكل كائن خطابه، تعبيره، لغته الخاصة الخارجة من لغته الأم الحاضنة، تعبر عن الحب والكراهية والإغواء، عن السعادة والفرح والحزن، كما له تعابيره المتفردة عن سر الدموع، وبريق العيون، عن الصدر حين تتقافز حماماته لمرأى من يسر القلب، الأسد يحب، والطائر يحب، لكن التعبير مختلف، والطريقة لا تتشابه، قبلة الشاب الحالم المنتظر القمر، وسَفَراً من أمل يأتي حين تنفرج نافذة الحبيبة المواربة على استحياء، تختلف عن قبلة الأرملة الرمادية، غناء حمام الراعبي في ظل النخيل، يختلف عن عواء ذئب البريّة، ورجفة الأصابع في أول لقاء، تختلف تعابيرها عن نظرات الوداع، الأم لها تعابيرها عن الحب، والأخت لها تعابيرها، قد لا يتشابهان، ويختلفان بالتأكيد عن تعابير الأب، المخلص له تعبيره، والخائن له تعبيره.

الخطاب السياسي «الديماغوجي» يختلف عن خطاب المثقف، خطاب الرئيس الذي يقود كتلة وطنية للمقاومة، يختلف عن خطاب الرئيس الآتي على ظهر دبابة، يريد سحق الاستعمار من أول بيان إذاعي، خطاب المنتصر يختلف عن خطاب المنهزم، خطاب كسب الود ونيل الأصوات يختلف عن خطاب حشد المظاهرات، خطاب الديمقراطية الحقيقية، يختلف عن خطاب ديمقراطية الاستهلاك، خطاب في الأمم المتحدة، يختلف عن خطاب عيد الاستقلال، خطاب الدول النامية، يختلف عن خطاب الدول العظمى في مجلس الأمن.

خطاب المدينة يختلف عن خطاب القرية، يمكن أن تدخل السوق، لكنك تسمع خطابات مختلفة على بضائع متشابهة، مثلما ينام شخصان على سرير واحد، لكن أحلامهما مختلفة، الحداد حين يرجع لزوجته يكون لديه خطاب، لكنه يختلف عن خطاب المحامي الذي يفخر ببدلة المهنة، وعنده تطلعات سياسية واضحة، ويقود سيارته بلا أقساط، خطاب الزوجة العاملة يختلف عن خطاب ربة المنزل، لغة الطبيب تختلف عن لغة المريض، لغة التاجر الرابح، تختلف عن لغة التاجر الخاسر.
الصمت لغة، لا يجيدها إلا البلهاء والحكماء، البلهاء يتلعثمون ويخطئون ويصمتون، وحدهم الحكماء يقولون ما لا تقوله السطور، وما تخبئه الصدور من سر القلم، وحكمة النون.
للمعلم لغته الإرشادية، للجزار لغته «التقطيعية»، للشرطي لغته التحذيرية، للعسكري لغته الآمرة، للطيار الصامت طوال الطريق لغته الأخيرة والقليلة، للمضيفة لغتها المفرحة، المطاطية كعلكة دائمة الحلوى، لغة فضائية بحيث المطب الهوائي يختفي بين ثنايا حروفها المنزلقة، كلام من نحب، نستقبله دون ملل، ويقلط على الشارب، ونفداه بالعيون، لغة السكرتيرة نقبلها، ونختلق للمدير أعذاره الكثيرة، السكرتير ولو كان صادقاً لا نقبل لغته ولا أعذار مديره، ولو كانت صادقة، السكرتيرة كالإسفنجة قادرة على امتصاص غضب المراجعين، في حين السكرتير مثل الحصاة على صدورهم، ثمة إشارات تنبعث من المرأة، غير موجودة في الرجل، تماماً كيفما يتغير كلام الرجال ونبراتهم إن حضرت امرأة بينهم فجأة!