ها أنا عائدة إليك يا شارقتي الغالية. قلبي يفيض بالشوق وذاكرتي بالحنين فزوديني بوهج حبك، أيتها الأرض التي خبأتها بين ضلوعي. باركيني بيدك فأنا عائدة إليك لكي أصحو في الصبح مع النورس والبحر وعبق الياسمين. كل آمالي التي صغتُ من للآلئك، لم تزل في عنقي عقداً من الأحلام ينتظر السعادة. فتذكري أنني مولودة هنا فوق ترابك الخصب، وأني حبوت هنا وخطوت هنا طفلة ترقى خطوة، خطوة على مدارج السنين. وأني ولدت من أم وجدة وسلالة ممتدة نبتت وتفرعت وانحدرت من جذورك العميقة، وخصب أرضك وترابك الزعفراني. ومن أبٍ غاص عميقاً ليلقط لآلئك. وجدٍ ألهمته من ضيائك جمرة الإبداع، فصاغ من تبرك وفيض لآلئك قلائد الذهب واللؤلؤ.
يا للزمن والواقع والظروف التي تسوق الإنسان خارج موطنه وتراب أجداده بلا اختيار سوى لقمة العيش وأسباب الحياة. هكذا رحلت عائلتي إلى البحرين في زمن لم تنهض فيه إماراتي الحبيبة بعد على يد الأب الرحيم والقائد العظيم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي جعل من الإمارات الحضن الوسيع الذي عادت إليه قوافل الهجرات من أصولها الإماراتية. حين كنت طفلة يا شارقتي، لا أفقه شيئاً ولا أعرف الأسباب ولا معنى الاغتراب. رحلت عائلتي إلى البحرين. فكبرت وحظيت بالتعليم والرزق والحياة المطمئنة حتى انغرست في قلبي وذاكرتي كوطنٍ ثانٍ، كما انغرست شارقتي الغالية في خلايا الروح والقلب ونسيج الجسد والذاكرة العصية على النسيان. فميلي علي يا شارقتي بالوهج والحنان والعناق. وأضيئي خطواتي في درب الحياة بنورك الذي يشع من وهج حضور منارة الثقافة والإبداع والرقي والكرم الرفيع «صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي»، الذي جعل من الشارقة حضناً واسعاً كرحاب الكون، يحتوي القريب والبعيد. ويفيض بالخير والمحبة والسلام. فيا شارقتي الأم والمهد والطفولة البريئة والحضور، كوني لي البيت الذي أغفو في رحابته، ففي عيني أرقٌ، وفي نفسي الخفية قلقٌ، وشعور بغربةٌ ممتدة كلما فارقتك، أبدا لا تستوطن أرضاً، ولا تستكين وتهدأ إلا بين كفيك وحنان حضنك الرحيم. فمهما غرَّبتُ وشرَّقتُ تظلين أنت وطني وخصب روحي والهامي وإبداعي. فضمّدي وجعي وجروح السنين، وامسحي دمعتي. واحمليني إلى نسغك، ورشي عليَّ حنانك كالمطر. وحين يحين الأجل، انقشي على شاهدي أنك كما كنت لي، برغم اغتراب الدروب وبرغم سراب يدي، سوف تبقين كما كنت لي.. بلدي!