في حضرة سيدنا النوم، ذلك البراح الأبدي لراحة الجسد، لتمدد عضلاته واسترخائها الأثير بعد تعب اليوم، بعد تداعيات الأفكار، بعد رمشة الجفون لملايين المرات، بعد حركة اليد وبعد المشي والركض، بعد حركة اللسان لقول كلام جميل وطيب، كلام فيه من الحب الكثير، فيه الصدق والطيبة، كلام يرفع الهمم ويدفع إلى التفاؤل، ويضيء الأمل في القلب شجاعة لا تنكسر. بعد جهد الأذنين في الاستماع وإرهاق العقل في التحليل، بعد تعب كل أركان الجسد.. ننام، ينام الجسد في وداعة الكون البهي، في الدوران الأبدي للمجرات، ليدخل الحلم علينا، يدخل بلا استئذان متجاوزاً مطبات العقل الواعي بكل مكتسباته في غضون سنين العمر، متجاوزاً مطباته من القيم والعادات والتقاليد، من الخوف والشجاعة، من الأخلاق واللأخلاق.. يأتي ليقول ويكتب، يرتجل ويحطم كل الممنوعات وسياج العقل، ليرسم خريطة للأحداث في حكايات وقصص. وبعيداً عن نظريات عراب التحليل النفسي الطبيب فرويد أو إبحار فيلهلم رايش أو أحلام غاستون باشلار، أو تفسيرات بن سيرين، يحدث في الحلم أن تكون أنت، أنت ذلك الشخص الذي بلا قيود وبلا أحكام وقناعات مسبقة، حيث تمضي في هذا الحلم لتكتشف أن قدراتك أكبر من الواقع الذي تتهشم أمامه الرغبات والأحاسيس والأمنيات، حيث يحدث في الحلم أن تتمادى الأماني وتصير متحققة، تعيشها فرحاً بجمالها حد القدرة على الطيران، تتبدل الأشياء في الحلم لتكون شيئاً عكس ما هو في الواقع، كأن تكون أكبر من قدرة الجاذبية على تحديد حركتك، فيمكن أن تلمس القمر أو تحاكي الحبيبة وتجلس قربها تبثها أشواقك، فيما هي في قارة أخرى، فلا حدود أمام الحلم، حتى في فزعه تُرى الوحوش على غير ما هي، ويحدث أن ترى الموتى وتحدثهم، تسمر معهم وتقضي وقتاً رائعاً مع من أحببتهم في حياتك، من أقربائك أو أصدقاء عمر فارقتهم، يأتون في الأحلام بحضور بهي وأوقات وأزمان مختلفة، كأن الموت غادرهم وعادوا مخترقين ثبات الموت وقوته. فكم من المرات صحونا صباحاً فرحين ترتسم ابتسامة عريضة على وجوهنا، حيث قدم لنا الحلم قصة أخذتنا خارج حدود الواقع دون أن تنكسر نظرتنا أو تستوحش النفس؛ فجمالية الأحلام هي هكذا تضعنا تماماً في مالا يدرك، وتستنهض فينا خفة الروح.