ثمة علاقة حميمية، وربما أزلية بين المعطف والمشجب، وكأن الثاني صنع للأول، وكأن الأول لا يستريح إلا على كتف الثاني، لقد ظهر المشجب والشماعة في اللفظ المجازي اللغوي، وأصبح الناس يعلقون عليه أخطاءهم، وأخطاء الآخرين، كما ظهر المعطف في المجاز، حينما قال النقاد إن معظم الكتّاب الروس خرجوا من معطف غوغول، فمنذ ظهور قصة الكاتب الروسي «نيقولاي غوغول»، «المعطف» تلك القصة التي تدور حول موظف فقير، لكنه دقيق في عمله، متفان فيه، بخطه الجميل المنمق، وعباراته الخالية من الأخطاء، يسمى «اكاكي أكاكيفتش»، هذا الرجل الذي يعيش على كفاف يومه، ضمن دوامة من الروتينية، فقد كان ضيق ذات اليد لا يجعله يخالط الناس اجتماعياً، يقسو عليه الموظفون بالسخرية حيناً، وبالإهانة حيناً آخر، ربما لفقره، وثيابه الرثة، وربما لتفانيه وإخلاصه في عمله، وذات يوم يقرر أن يشتري معطفاً جديداً، وثميناً بالنسبة لموظف مسكين، بعد ما ملّ من الرتق والترقيع في معطفه القديم، غير أن المعطف الجديد يغير حاله، وتتبدل كآبته لبسمة، وتدخل السعادة نفسه المحبطة، فيتساءل الموظفون بغيظ وحنق عن ذلك السر الذي جعل منه شخصاً آخر، لكن تلك السعادة سرعان ما انقلبت حينما تمت سرقة معطفه، فلا يعرف إلى أين يتجه؟ ولمن يشكو؟ وهو شبه المنعزل عن العالم الذي يخاف الولوج فيه، بسبب الفقر، وما يصنع، تمضي أيام قاسية وباردة عليه، دون معطفه المسروق، فيصاب بالحمى، ويموت «اكاكي أكاكيفتش» الفقير، وتظهر إشاعة أن شبح ميت ينتقم بنزع المعاطف من المسؤولين. اليوم.. لا يمكن أن أرى معطفاً، ولا أتذكر غوغول، وإنْ رأيت مشجباً يتدلى وحده في الخزانة، فلا بد أن أتذكر «اكاكي» المسكين بحزن، وكنت في سنوات باريس أبرّ الـ«كلوشار» المهمشين بمعاطف قبل الشتاء، كشيء يجعل القلب يتدفأ بالسعادة والخير كل عام.. ولا يغيظني مثل معطف إنجليزي بوبره المشعر، والذي يظل يقاوم السنين الطوال، والذي يشعرك بأن له مشجباً شاخ معه، أو معطف «جنتلمان» بطوله الفارع، والذي يشترى بمشجبه من خشب السنديان اللامع، والمعتنى بصناعته كثيراً، أما معاطف الفرو النسائية، فلها خزائنها «البنكية»، والتي تودع كما تودع الوصايا والمدخرات الذهبية، كما لها مشاجبها الخشبية الغالية، المغلفة بالحرير، والممهورة بختم صانع يدوي، لم يكلّ من العمل، ومن مهنته المنقرضة. كما لا يضحكني مثل مشجب صيني بلاستيكي، بأحجامه غير المتساوية، والتي لا تشبه بعضها، ويمكن أن تتمدد بفعل أي شيء، غير الحرارة، حين أراها، أرى معاطف متهدلة الأكتاف، وفضفاضة، ولا تشي بشيء من الاحترام، ويمكن أن ينظر لها الإنجليزي الأرستقراطي، ذو الميول الاستعمارية بشيء من الدونية، وقلة الراحة، حينما يصادف أن يضعها الـ«بتلر» سهواً في خزانة ملابس سيده التي تفوح برائحة الآفندر!