نجتمع في العاصمة المصرية القاهرة للمشاركة في الدورة الـ 21 لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الدول العربية، لمناقشة جملة من التحديات التي تواجه مشروعنا الثقافي، في مقدمتها ترسيخ الهوية العربية في نفوس أجيال المستقبل، وفق خطة عربية متكاملة، تشترك فيها المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، تعزز الانتماء والولاء، وتبرز الموروث الثقافي العربي. لقد كانت دولة الإمارات سبَّاقة في هذا المجال، فأطلقت مشاريع ومبادرات، ترسخ الهوية الوطنية في المجتمع، وأشير هُنا إلى منهاج التربية الأخلاقية الذي وجّه بإطلاقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليكون نموذجاً رائداً يمكن أن تحتذي به الدول العربية الأخرى.
كما يواجه مشروعنا الثقافي تحدياً آخر يتمثل في تفعيل دور الثقافة في محاربة التطرف والغلو والأفكار المتطرفة، وهو ما يستدعي تشكيل جبهة موحدة من المثقفين والفنانين في جميع دولنا العربية لتطوير مناهج تعليمية وبرامج تلفزيونية، ووضع استراتيجية عربية لنشر ثقافة الوسطية، ودعم قيم السلام وقبول الآخر. ينبغي أن تنصب جهودنا على إيجاد الحلول الناجعة، وأن نلعب معاً كدول عربية دوراً أكبر في التصدي للخطاب الديني المتطرف لحماية شباب منطقتنا العربية من براثن هذه الآفة الخطرة التي تهدد الأمن والسلم العالميين.

الثقافة ثروة تعكس الحياة، وتعطي الأمل للشعوب، وتوظيفها مجتمعياً بالشكل الصحيح يضيف سعادة وبهجة للناس، ويلبي احتياجاتهم العقلية والنفسية، ويتناسب مع الشخصية البشرية، لأن الثقافة لا تعترف بالتعصب والإرهاب والطائفية.

تزخر الدول العربية بإنتاج ثقافي وفكري متميز، يتطلب خطة جادة لاستدامته واستمراريته، وتشجيع حركة الترجمة والتأليف لبناء مجتمعات المعرفة، وتوظيف التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لتسهيل انتقال الإنتاج الثقافي العربي إلى خارج حدود وطننا العربي. يتأتى ذلك من خلال تمكين مواهبنا، والبدء في استثمار الثقافة والفنون العربية مثل التصميم، والموسيقى، والفن، والسينما، والمسرح، بما يعزز من حضور الثقافة العربية في المحافل الدولية.
تمتلك دولة الإمارات تجربة رائدة في هذا المجال، فقبل أيام عدة افتتحنا الأسبوع الثقافي الإماراتي في باريس كجزء من فعاليات الحوار الثقافي الإماراتي الفرنسي.. برنامج حافل، وحوارات ثقافية شملت مواضيع منوعة، ومقطوعات موسيقية فرنسية وعربية، ومشاركات شبابية ألهمت الحضور، وعرّفت الجمهور الفرنسي بجزء يسير من ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا... هذا هو النهج الذي ينبغي على جميع الدول العربية أن تسلكه، لنعرّف العالم بأنفسنا ومجتمعاتنا من خلال ثقافتنا وفننا الغني والملهم.