إذا كان الطريق العقلاني أشبه بالخبز لإشباع الجوع، فإن الطريق الخيالي أشبه بالزبدة التي تضيف الجاذبية والنكهة للخبز. ويقول أفلاطون: «الإنسان كائن برمائي، ولابد له أن يعيش في كلا العالمين المادي والروحي، إن هو أراد أن يحقق نموه الكامل».
الأجندات المتطرفة خرجت عن نطاق الطبيعة الإنسانية، وذهبت إلى ذروة التطرّف، عندما اعتنقت فكرة الخيال الجامح، كطموح لتحقيق الذات. الحوثيون، فئة قليلة من الناس تعيش على أرض اليمن الزاخر بملايين من البشر، لكن الحوثيين أرادوا أن يستأثروا بالأرض وما عليها، وتحالفوا مع الشيطان كي ينجزوا مشروعهم الخيالي الفج، ما استوجب عليهم أن يقفزوا على الحبال المهترئة، وأن يخوضوا البحر بقارب الخيال العديم، ورغم تلاطم أمواج الحقيقة الدامغة التي لا تتلاءم مع واقعهم المر، إلا أنهم لا زالوا يغامرون ويقامرون، ويزجون بالأرواح البريئة في مواقد النار، لأنهم مدفوعون من خيال لا ينسجم مع واقعهم المادي، فهم مهما بلغوا من بطش ومكابرة، لن يستطيعوا الوصول إلى الشاطئ بهذا القارب البدائي العقيم، لن يستطيعوا أن يحققوا ما يصور لهم خيالهم المريض، ولن يتمكنوا أن يحكموا زمام الأمور على يمن كبير، ويتجاوز حدود أفكارهم السقيمة، إنه يمن العروبة الممتد عبر تاريخ لم يخف غبار النعرات وجهه المضيء، والاتكاء على أجندة متخيلة مرسومة من قبل جهات لها المصلحة بأن يبقى اليمن مستعمرة شوفينية، عنصرية، تذر الرماد في العين لكي لاتجري الحقائق على الأرض. عندما يفكر الإنسان بأخمص قدمه، ويلغي العقل، فإنه لابد وأن يتعثر بالحجر، ولا بد وأن يصطدم بالجدران العالية، ولابد وأن يختفي هو ولا يبرز إلا خياله الأغبر. وهكذا فعل النظام في قطر، فكر باللامعقول، ودار في جوف صفيحة قديمة، وظل هكذا ينبش في كومة القش، لعله يجد نفسه في هذا العالم المترامي، ولم يجد غير العزلة المزرية، لم يجد غير خياله الذي أبعده عن الحقيقة، وأخذه إلى حيث تنام الأسطورة القديمة، (أن شرغوفاً وهو صغير الضفدع ولد في الماء، ولكنه نسي أنه لكي يستمر في العيش لابد له أن يتبع خطا أسلافه ويذهب مع الذاهبين إلى اليابسة، فلم تسعفه عضلاته الضعيفة على مقاومة الأمواج، فغرق ولم يصل).
وهذا هو حال من ينسى طبيعته ويكابر، ويقول للعالم: أنا ربكم الأعلى، فلابد وأن يلقى مصير الضفدع، لابد وأن يصبح ضفدعاً مهزوماً تتقاذفه أمواج الفقدان والحسرة، يوم لا ينفع الندم، ويوم لا تفيد تصحيح المسارات بالخديعة وقلب الحقائق. الصغار عندما لا تساعدهم المخيلة على معرفة حقيقتهم يصبحون شرنقة تائهة في مهب الريح، يصبحوا مثل النعجة (دوللي)، هي شبه نعجة لاغير.