هذا الصعود الثقافي الإماراتي الذي نشهده في مختلف الساحات والميادين، لم يكن وليد لحظة طارئة، إنه التراكم الكبير الذي بدأ منذ زمن بعيد. صحيح أنه سار سيراً بطيئاً ومتعثراً بسبب الظروف الراسخة في الجزيرة العربية، والتي ظلت إلى وقت غير بعيد لا تتصالح مع الجديد والتغيير، لكن الحال تبدّل الآن، وها نحن نشهد ثمرات الانفتاح.
وكلنا نذكر، أن الرياح الجديدة التي هبّت على المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت تواجه بانزعاجات كبيرة وحساسيات مفرطة، وكانت كلمة ثقافة أو مثقف أو كتاب جديد تثير التحفظات والريبة. وحدها كتب التراث والتاريخ والدين كانت هي الرائجة. والنظرة العامة كانت تعتبر بأن كل رؤية ثقافية غير تقليدية معادلة للهدم والتبشير بكل ما يعارض القيم الراسخة، وكثير منها كان سبباً في تجذير الركود المعرفي، وتعزيز الانغلاق.
انقضت أعوام الستينيات وبعض من السبعينيات، وظل العامل الثقافي والمعرفي في غاية الترتيب والضبط، حتى بدأت تيارات فكرية وثقافية جديدة، تجد لها مكاناً في رؤوس بعض المتنورين، الذين بذلوا جهوداً كبرى لتطوير العمل والأدوات، واجتهدوا لكي يطلقوا أفكارهم في بيئة بدت أكثر استعداداً للتقبّل والنقاش. ولقد ظهر في الإمارات، على نحو مخصوص، من كان سنداً قولاً وعملاً للرواد الأوائل، وشاركهم بفاعلية في صنع الحياة الثقافية الكبيرة، التي تراكمت على النحو الذي نشهده الآن، وحققت مكانة الريادة في بيئتها ومنطقتها، وعلى مستوى العالم.


تعددت المنابر والمؤسسات الثقافية والفنية والعلمية والفكرية في الإمارات.. وها هي الآن تقدم نموذجاً جميلاً في الاهتمام بالثقافة والفنون والفكر والمعرفة، حيث نشهد صعوداً مضطرداً في هذا المجال، حيث يمكن القول إن الإمارات أصبحت بوابة النشر العربية، وميداناً لإنتاج الثقافة والفنون ودعمها بكل السبل والطرق. والمفرح أننا نجد التأثير واضحاً وجلياً على اتساع الوطن، سواء في المدن الرئيسة، أو في المدن الصغيرة والنائية. هكذا يكون التأثير والتأثر عندما ترعى الثقافة قامات كبيرة ومهمة في البلد، وعندما تكون الثقة كبيرة وحقيقية في نور الثقافة والعلم والمعرفة.


كلنا يعلم من هو سراج ونور الثقافة ونجمها هذه الأيام، والتي سوف يصبح أثره عظيماً أيضاً في قادم الأيام.. إنه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، هذا العالِم والمثقف الكبير صاحب التأثير الواضح على أجيال المثقفين في الإمارات، وفي الخارج.