كان ياما كان في قريب الزمان، أن وُلِدَ صبيٌ لأسرةٍ إماراتية يكثر فيها البنون وتندر البنات بعد انقطاع دام لعقدينِ أو أكثر. فولد ذلك الصبي و«طاح باسمه» على قولتهم، إذ كان من البدهي - وبحسب العادات والتقاليد الإماراتية ـ أن يُسمى أول الأحفاد على جدهم المتوفى سواء أكان من طرف أمه أو من ناحية أبيه. وغمرت تلك الأسرة سعادة وتفاؤل، لاسيما وقد كبر «العيال» وفرح الكبار بأنّ جيلاً من أبنائهم يسهمون في بناء أسر صغيرة ممتدة الجذور تسهم في تكوين مجتمع مترابط ويعزز استدامة القيم في شباب المستقبل. تربى ذاك الفتى على الحب والاحترام، وكلما حاد عن الطريق كنّا له بالمرصاد، فنحن ندرك أن تنشئة جيل على المفاهيم القديمة يتطلب العمل بروح الفريق وتضافر الجهود. وكنّا نذكّره على الدوام بأنه يحمل اسم «الشيبة»، وعليه أن يتكلم ويتصرف بمسؤولية، فذلك الاسم كان لرجل محترم متواضع ويخاف الله. نشأ الصبي محدداً مقيّداً ملتزماً بالأعراف والمبادئ والأخلاق الحميدة. وأذكر نصيحتي له عندما تم قبوله للعمل: «تذكّر شيئين، الأول هو أن العمل عبادة، فلا بد من الحضور وتسليم المطلوب في الوقت المحدد، والالتزام بقوانين العمل، وإلقاء التحية على كل من يشاركك الرزق في ذلك المكان. والشيء الثاني والأهم هو الصدق «لا تكذب»، وأن تتحمل ماهو خطأ، فكل ما يكون في الظلام يجرف إلى ظلمات السجون». أقف اليوم «خالة» فخورة به وبإنجازاته وما حققه لنفسه ولنا ولوطنه الغالي. بالأمس غَيّرَ ظرفا الزمان والمكان اسمه، فأصبحوا ينادونه «المعرس»، وفي كل مرة أراه أمامي أتذكر أسعد لحظات حياتي عندما حملته بين يدي، وهو «مقمط»، أو عندما كنت آخذه و«يا الفريخات وبعض البنيات» إلى الدكان أو البحر أو في رحلاتي المكوكية التي تبدأ من بيتنا الأولي في الشندغة ونركب العبرة في جولة تاريخية تشمل الأسواق القديمة والسكيك والخناخيش. صباح اليوم قلت له:«صباحية مباركة يامعيريس» فضحك بخجل، قائلاً الله يبارك في حياتك خالوة. للعارفين أقول، الحمدلله على هذا الابن البار بوالديه، وقد شحذت ذاكرتي لأدوّن للجيل الذي يليه أهازيج ابتكرها الأجداد. كم أتطلع ليومٍ تشرق شمسه على سماء الإمارات وعيال بالخير يحملون علم الدولة عالياً؛ أكون حينها قد أديت رسالة تصل إلى المستقبل، فتخبر سكان الكواكب الأخرى عن إرث وطن بناه زايد وأسس قيمه ليكون نبراساً وقبساً للآخرين.