شخصيات كثيرة، استثنائية، ملأت الوطن بحضورها على مر السنين. وتعمر الذاكرة بأثر طيب لكثير من الرجالات، الذين اجتازوا عتبة الذاكرة الفردية إلى ذاكرة التاريخ، مضيئين شموع الفرح بين من عرفوهم أو سمعوا عنهم. من هؤلاء الرمز الجميل الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان وزير الداخلية الأسبق، رحمه الله وطيّب ثراه. وقد سعدت حين رأيت مؤسسة المباركة تدشّن قبل عام، وتخلّد سيرته النقية، وتنهج في مسار ثقافي وفني جميل، وتحدث إضاءة مشرقة في هذا المجال، بل تؤسس للكثير من الابتكار والتميز. ولا شك في أن في طوافها وعنوانها ونسيجها ما ينبئ بالكثير من التجدد، وهذا ما ينبغي أن يكون عنوان كل مناسبة. كان الشيخ مبارك بن محمد، رحمه الله، يحضر في شموخ الوطن، ويعبّر عن تجليات الدولة الحديثة التي أسسها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ويحضر بقامة البذلة الشرطية، لتجدد المعالم وتنسج الصفاء في الذاكرة وتعنى بتاريخ أبوظبي خير عناية. فتنسج من وهج حاضره سيرة لا تكتمل إلا بما تركه الآباء والأجداد من أثر طيّب. تبرز صورة الشيخ مبارك بن محمد في ذاكرتي كثيراً، وهو الذي كان يضيء اللقاءات في مجالسه بابتسامة القائد الفطن، وصوت الرجل المتواضع، الذي يقترب من الصغير قبل الكبير، ومن بعض ملامحه أنه محاور مثقف مهتم بالتفاصيل التي تبلور صورة المجتمع وثقافته. كما كان مهتماً بالتنمية المجتمعية، فانبثقت في عصره مجلة الشرطة التي صدرت في السبعينيات من القرن الماضي، وتوجّت بملامح ثقافية عالية الكلمة والتأثير، وقلّ أن ترى في زمنها مجلات ترفد الحياة الثقافية. وقد توج العمل الرصين منذ البدء بمدرسة الشرطة التي خرّجت العديد من المنتسبين، ولم تكن بعيدة عن الدراسات الأكاديمية والرياضية والثقافية، ضخّت في الدولة والمجتمع كوادر مقتدرة. المباركة جاءت لترسم معالم ثقافية وفنية جديدة في وطن تتعانق فيه الثقافة مع جمالية الزمن الغابر وروح العصر الحاضر، وجاءت لكي تخلّد اسماً جميلاً يستحق التخليد، ولكي تؤكد في سجل الشرف أن تاريخ العطاء سيظل ينير الأرض، وإن فضاء مشرقاً آخر يتوهج في سماء الإمارات، فتصبح المباركة إضافة نوعية للمؤسسات الثقافية المهمة، تتفاعل معها، فيربح الوطن والإبداع.