عندما تتألم، تصرخ، أخ، تتلفت باحثاً عن مسعف يزيح عنك الألم. في لحظة الألم تبدأ شعلة التنوير، وهكذا نجد هذه اللحظة في قصة (الكهف) لدى أفلاطون، حيث تبدأ القصة بوجود أشخاص في قلب الكهف المظلم، ولا وجود للنور إلا من خلال شعلة نار تترقرق من خلفهم، ولا تريهم على الجدار المقابل في الكهف إلا الظلال، الأمر الذي يجعلهم يعتقدون أن الأشكال من حولهم ما هي إلا ظلال، فلا يَرَوْن الحقيقة إلا وهي مدغمة بلا وضوح. وهكذا هم الناس الذين يعيشون في ظلمة الجهل، لا يَرَوْن الحقيقة كما هي، وإنما ما يرونه هو الظل، وبالتالي تصبح الحقائق مشوهة في عقولهم، فكيف بهؤلاء يستطيعون معرفة الأخوة في الحياة كيف يفهمون معنى العلاقة الإنسانية إلا من خلال ما يرسمه وهم عقلهم المشوه والحامل لرواسب تاريخية فجة وعقيمة، وراسخة في العتمة.
اليوم نجد ذلك بيّناً في العلاقات بين الأشخاص، وكذلك في العلاقات بين الدول، فعندما يعتمي العقل، ويصبح تحت ركام من النفعية، والمصالح الذاتية، والطموحات الأنانية، فإنه لابد وأن تختفي كل القيم، وتندثر تحت أكوام من النفايات، والغبار، فلا يعد هؤلاء الأشخاص يَرَوْن أبعد من أخمص القدم، الأمر الذي يجعلهم يتعثرون كثيراً، ويقعون فريسة أوهامهم التي تطيح قدراتهم العقلية، فلا يستطيعون التمييز بين الأشكال والأفكار، فيذهبون إلى الحياة بمخالب من دون أصابع، وبأنياب من دون ثغور، بل يصبحون في نهاية الأمر الجحيم في حد ذاته. في المحيط الذي يعيشون فيه، فلا نستغرب إذاً أبداً عندما نجد نظاماً عدائياً مثل النظام القطري الذي يجمع حطام قدراته، من أجل تهشيم منازل الآخرين، وإشاعة الذعر في كل مكان من هذه البسيطة، وفرص الأحكام القسرية على شعب قيض له أن يكون في قبضة هذا النظام، وتتحول العلاقة بين هذا النظام والعالم، كما هي العلاقة بين النار والشجر، كما هي العلاقة بين الحقيقة والوهم، كما هي العلاقة بين الحب والكراهية، فلا يستقيم أمر المتناقضات، في عالم بدأ وعيه في الاتساع نحو الحقيقة منذ أن احتقر سقراط أوهام الأثينيين، واستقبل الموت في مقابل أن يظل الوعي بالحقيقة، الطريق إلى إسعاد الناس، والبعد عن الضغينة، والنأي بالنفس عن نزعات الشر، ودوافع الكراهية.