ما الفضيلة؟ هي كما فكر بها أرسطو (هي السير في طريق بين رذيلتين تتفقان على أحد جانبي الطريق)، ولأن الفضيلة صناعة بشرية بامتياز، فإن الوصول إليها يقتضي الوعي بهذه الفضيلة، وإدراك دلالتها الموضوعية التي تخدم عرض الإنسان، وطالما هي كذلك، فإنها تخضع لشكل السلوك الذي يسلكه الفرد، وبالتالي تستند إلى الغرض والفهم والغاية التي تحقق هدف الإنسان في حياته، والتي من خلالها يذهب إلى السعادة المنشودة.
وكون أن الفضيلة هي الطريق إلى السعادة كما تشرحها الفلسفة، فإنها تظل خاضعة تحت سطوة رغبات واتجاهات الإنسان نفسه، ما يجعلها نسبية في حد ذاتها. فما يعتبرها صاحب ملة فضيلة، قد يعتبرها آخر ذو ملة أخرى رذيلة، وهكذا تبدو الفضيلة خارج القياس العلمي والموضوعي، هي بعيداً عن الاعتبارات المنطقية، في حدودها القياسية الحادة، الأمر الذي اختزلها العقل الجبار ضمن ميدانه المراوغ، لكي يتجاوز حدود التأنيب، ويقفز فوق حبل الضمير. فعندما يقوم شخص متطرف من ذي ملة متعجرفة بقتل أو اغتصاب أو سرقة حقوق الآخر، معتبراً ذلك يخدم قضيته الدينية، فإن الفضيلة هنا تحثو على وجهها الغبار كي لا يراها الضمير فتعبر الطريق خلسة من دون أن ترقبها عين الضمير، واليوم نشهد هذا في واقعنا المرير، فالإيزيدية في العراق انتهكت كرامتها تحت بند ديني استولت عليه مخالب الجهل بالدِّين، كذلك الإنسان اليمني، فقد أبسط أشكال العيش الكريم لمجرد أن الحوثي عبر نهر السياسة على ظهر معتقد طائفي عقيم، ونظام قطر، أحشاء الدر في الخليج العربي، بناء على حلم راوده ذات ليلة، أن ما يتقيأه القرضاوي من فتن هي الحكمة التي ستضع قطر في شغاف القوة القاهرة التي ستطرق أبواب المجد، وتجعل من هذا النظام هولاكو زمانه، وكما أن نظام الملالي في طهران تصور أن من الفضيلة أن تستدعي طهران الوهم التاريخي، وتجلسه على منضدة الواقع لكي يضع حداً لهزائمها الواقعية، ويعيد لها ما اندثر من المجوسية البائدة، ولكن إذا كانت الفضيلة هي هكذا كما فهمها هؤلاء، فإن الحياة لا تؤخذ بتصحيح الأخطاء التاريخية بأخطاء أشنع منها، وإنما لابد من قوانين تحكم الحركة الإنسانية، كما يقول صموئيل بيكيت، (إذا كانت العربات الفارغة أكثر ضجيحاً، فإنه من الضرورة أن يكون هناك قانون ما يحدد مستوى هذا الضجيج).