نحن في لينا في نزهة على طهر قارب صغير، بل نحن في سفينة عملاقة، البحَّارة على سطحها تتنازعهم أفكار متصارعة، ورغبات تتصادم كلما هبت ريح، وعلت موجة، وارتفع حوت ضخم إلى خارج الماء كي يأخذ شهيقه، ثم ليعود لمطاردة فرائسه. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، لأن الحياة بما فيها من منغصات، فإنها تمتلئ بالمثيرات والمدهشات الملهمات، القابعات في ثنايا التاريخ البشري، المجبول على تصادم الغيوم كي يهطل المطر. ولكن مع كل ذلك لابد وأن يكون هناك قانون ما يحكم كل هذا الضجيج، وقد استطاعت الفلسفة أن تغسل الثياب القذرة، وأن تنظف المياه الضحلة، وأن تعيد للعقل وعيه، عندما تتسرب منه قطرات الماء العذبة وتذهب إلى البحر، والمسيح قال: (إن لم تولدوا من جديد، لن تدخلوا الجنة)، فها نحن أمام مراهقة فكرية يديرها بعض المتسللين، فيثيروا الغبار الكثيف، حتى كادوا يعمون البصر، ويطفئون البصيرة، ويخذلون سقراط الذي دعا إلى الحب، كي تستمر الحياة من غير عثرات تعرقل الحضارة البشرية في مسيرتها إلى التطور والنشوء، ومن لا يقف عند الإشارات الحمراء، لابد وأن يصطدم بالحياة، وتسلك عربته طريق الموت بسلاسة، ومن دون عقبة. فنحن نحتاج إلى الحب كحاجتنا إلى الماء والهواء، حتى نوقف النزيف، ونكبح جماح العقل المتضور، والرغبة العارمة. نحن نحتاج إلى بذرة وعي كي نزرع شجرة الحياة، ثم نضع الثمرات، ليقطفها إنسان سوف يأتي من بعدنا، يتوخى فينا شيئاً من الحكمة، ويأمل ألا نحطم الأغصان، فتطير طيور المحبة، ويتحول النشيد الجميل إلى نحيب وعويل، وهروب المستقبل إلى اللاشيء.


نحن نحتاج إلى قطرات الندى كي تحلم الأزهار برائحة ندية، وكي تبدو الفراشات بألوانها الزاهية التي جبلت عليها، علينا ألا نغير من سليقة الطبيعة، وألا نشوش على الجمال، بدخان النيران المشتعلة في أفئدة كارهي الحياة، وصناع الموت، تحت ذرائع واهية، وأعظمها فظاظة طائفية عقيمة، وعرقية سقيمة، وأثنية أثيمة. علينا أن نمتلك الشجاعة، ونقطع الطريق أمام لصوص المبادئ وتجار المصير البشري. نحن مطالبون كبشر، بأن لا نقصقص أجنحة الأحلام، لكي تحلق النوارس على مقربة من النجوم، ولتصبح الأجنحة بيضاء من غير سوء.


الذين تتنازعهم الرغبات، هم مثل قوارب قديمة، لا تصلح إلا حطباً للمواقد. فلندعهم يحترقون، ونذهب إلى الحياة بفرح.