يبدو أن الغرب، وأقصد به تحديداً أوروبا، يشكل أيضاً ذائقتنا الكروية، فنحن نمضي صوب ما يختارون، لا صوب ما نختار ولا حتى ما تختار الكرة، وإلا ما كانت مباراة توصف بأنها نهائي القرن بين بوكا جونيورز وريفر بليت، الأرجنتينيين، في نهائي كوبا ليبرتادوريس «دوري أبطال أميركا الجنوبية»، تحدث للمرة الأولى في تاريخ البطولة، بعيدة عنا وعن اهتمامنا وعن شغفنا.
مواجهة الذهاب بين الفريقين، انتهت بتعادلهما بهدفين لكل فريق، وقادتني إليها الصدفة البحتة، حين قرأت عنها قبل 24 ساعة من انطلاقتها، وأصابتني الدهشة مما عرفته عن هذا الديربي الذي يحدث للمرة الأولى في النهائي القاري، رغم أن الفريقين التقيا من قبل ما يقارب 250 مرة، منها 24 مواجهة في البطولة القارية، لكن أن يجمعهما النهائي، كان ذلك هو الاستثناء، وهو الحدث الجلل الذي بلغ تأثيره، حتى أن رئيس الأرجنتين ماوريسيو ماكري اعترف صراحة بأنه لم يكن يتمنى نهائياً كهذا، يحرمه النوم بارتياح لثلاثة أسابيع.
كان مدهشاً أن أعلم أن قراراً رئاسياً سابقاً على ماكري، منع جمهور الفريق الضيف أن يزحف خلف فريقه، وأنه حتى عندما أخذت الحماسة ماكري ونادى بحضور جماهير ريفر بليت مباراة الذهاب في النهائي بملعب بوكا جونيور، ردت الجهات الأمنية على الفور، مؤكدة أن ذلك لن يحدث، حرصاً على أمن البلاد وحقناً للدماء.
بين الأثرياء والفقراء، تنعكس صورة الصراع بين «البوكا» نادي الشعب والكادحين أو بوكا جونيورز، وبين أثرياء الريفر، تعكسها أيضاً الأغاني، لكن القاسم المشترك هنا وهناك، أن هناك شيئاً أبعد وأعمق من الكرة.. هناك يرون أن هزيمة الآخر، هي السبيل ليسكن الفرح قلوبهم.. هناك ربما لا يستسيغون الركل بالأقدام بل بالروح، ولا أدري حتى كتابة هذه السطور كيف يحدث ذلك، كما أن مشاهدة مباراة واحدة أو اثنتين، لن تفسر لك حقيقة هذا الشعور، وإنْ كانت ستؤكد لك أنك أمام كرة مختلفة، تمتد من المدرجات إلى الملعب.
ليست «ديربيات» ومعارك الإنجليز والإسبان وحدها ما يستحق الانتظار والترقب، ولا حتى الحنين إلى الكالشيو أو الألمان.. الكرة اللاتينية فيها كل ما في ذلك وأكثر، تختلف في شيء أهم.. هي لا تعترف بهواجس السيطرة والاستحواذ ولا متاريس الدفاع، وربما لا تعبأ كثيراً بتنظيمات الخطط وأربعة اثنين أربعة أو خمسة ثلاثة اثنين، وإنْ كانت تفعلها.. هناك الروح حاضرة حتى لو لم تعرف كيف.. يخجلون من الانزواء في الخلف وانتظار المرتدة.. ينطلقون صوب المنافس بلا هوادة.. هم يؤمنون أن تيفيز أفضل من ميسي، فالأول لاعب الشعب الذي يركل الكرة بروحه بينما يلعبها ميسي بقدمه.
كلمة أخيرة:
الروح وحدها كفيلة بأن تمنح الأشياء نكهة الخلود.