فالح حنظل، وهو يتكئ على زمانه، ويمشي بخطوات أشبه بالجملة الاسمية على صفحة الأيام، تلتقي به في ممر أو بهو أو عند مدخل، وكأنك تصطدم بالقبس، كأنك في حضرة قديس يتلو أحلامه بعرفانية وعيه، وانغماسه في أتون الكلمة كنورس يغدق فم الموجة برائحة الأجنحة الهفهافة، تحاول أن تتهجى ما تلملمه شفتاه من حبات الدر، فيمنحك السلام، ثم يمضي إلى غايته يسبك حنينه، عبر ذاكرة ملحها شوق وتوق وحدق، بريقه من وميض أيام، مررت نقوشها على الوجنتين، وأسهبت في نظم اللحن على الجبين، ويسوع الذي قال لن تدخلوا الجنة حتى تولدوا من جديد. وهذا الشيخ المؤزر بطفولة الكلمة، وعفوية البوح، تسري في أعطافه لذة النقاء وصفاء السريرة وفضيلة العارفين، يمضي هنا في منطقة الوعي الإماراتي، بذاكرة نخلها العريق لم يزل يرخي عناقيد بذرته الأولى، وعرجونه ممتلئ بأسرار الحرف الأول، وما ابتدعته بابل العظيمة، وما أسرت به قصيدة السياب وغربته وألمه وفصاحة أشواقه إلى عراق أبي لا تجرحه أسنة هوجاء، عشواء، شعواء وغوغاء، هو هكذا ابن الرافدين، ونخب صحراء إماراتية أحبها إلى حد الانغماس في عطر غافتها، وجدائل سنطها، هو هكذا ولد في هذا المحيط، يفيض رخاء بالحب، يفيض ثراء بأفقه الإنساني، كأنه البحر الذي لا تقيد موجته صدور المراكب، هو هكذا فالح حنظل، مندمج في الوجود مثل تاج وردة، حلمه الأبدي أن تكون السماء زرقاء، من غير عمامة، ولا عمامة تحجب خيوط الوعي، وتمنع نزول المطر، هو هكذا رجل من الزمان الجميل، يطل عليك بكلمات أشبه بغفوة الطير على الغصن الرطيب، ويمر من حولك مثل سحابة ممطرة، وتجول أنت في صباحه، فتلمّح شعاعاً شعاعاً، ينسل إليك، يصبح هو خيط الحرير الذي يزين قماشة نهارك، يصبح هو النسيم الذي يسكبك في الوجود، فرحاً أممياً يتسع أفقه كما هي أكمام الزهر، عندما تصير الوديان أنهاراً، وتصبح الصحراء مروجاً خضراء، ويفتح الحلم نافذته كي يصدح الطير بنشيد الحياة، وتنسج الأشجار شرشف الأحلام الجميلة. هكذا هو فالح حنظل، بحزمة الأيام، يمر عليك كما هي الرواية العتيدة، والثيمة المعتقة بعطر الرصانة والرزانة وصدق الأمنيات. هكذا هو فالح حنظل، ملح الكلمة، وسكر العبارة المجللة بالمعنى الرصين.