هل نحن بقينا فعلاً في عصر الشامانية، وصار الوعي البشري مجرد رغوة الصابون على قماشة قذرة؟ هكذا يبدو لي العالم عندما نجد الإدراك للحقائق مثل المشي على أرض زلقة، لا ثبات في الخطوات، ولا ثقة في الأفكار، بل إن الأفكار أصبحت عجلات دراجة نارية قديمة، لا تكاد تدير محركها حتى تتوقف عن الحركة.
هكذا تبدو العلاقة البشرية مثل حروز سحرة الشامانية في أعالي ثلوج سيبيريا، هي محصورة بمقدمات هذائية، وهلوسات لا تقدم حقاً ولا باطلاً بل هي مجرد إيماءات وهمية لا تشير إلى حقيقة الأشياء.
اليوم وقد رقد روسو في مثواه الأخير، وكذلك فولتير عدوه اللدود، لأخرى في الأفكار غير شذرات أصغر من الذرات تتصادم في الفراغ، ثم على الأرض مهيضة بلا حراك، وكان العالم عقم عنوان ينبت أعشاباً جديدة، تظلل أديم الأرض، وتحمي الحياة من الانقراض، اليوم لا نجد فكرة تستعيد أيام كوبرنيكس، ومعارضته بطليموس، مشيراً بالبنان إلى الشمس العريقة، قائلاً إنها المركز، وليس الأرض.
اليوم يعجز الفكر البشري عن دحض أكذوبة واضحة وضوح عين غزالة برية، ويقول إن الفرق بين الدين وبعض المتدينين هو مثل الفرق بين نظرية بطليموس، وكوبرنيكس، فكل الأفكار تقود إلى خيمة الهروب من أشعة الشمس، كل الأفكار تدفع إلى الوقوع في وحل القنوط والسخط من واقع بشري أصبح يستولد الأفكار مثل ما تفعل الأنثى المصابة بالأنيميا، مثل ما تفعل سلحفاة تفسخ جلدها العظمي بفعل اللظى.
اليوم الفكرة تنهار تحت سياط المزيفين، والمتسلقين على أجندة الدين، والذين يهرولون تجاه الوهم كما تفعل النوق في الصحراء المبهمة، اليوم ليس حوار حقائق، وإنما خوار أوهام، والطريق شائك تجاه أشعة الشمس، فالضباب، والغبار يجتمعان، ولا تجدي التلسكوبات في رؤية ما لا يرى.
اليوم كما يغيب الحب عن القلوب، يختفي الوعي متوارياً خلف حجب اللامعقول، واللاحقيقة، والرمادية مطلب المتسوقين في سوق الملابس المستعملة. اليوم نحن في أمس الحاجة إلى عقل لا يفسده ضجيج الذبابات الحائرة في أجواف القناني المغلقة، اليوم نحن فقط بحاجة إلى قلوب ملؤها حب الإنسان للإنسان، وسوف نكتفي بهذا القدر، ولسنا بحاجة إلى أكثر من ذلك، لسنا بحاجة إلى شيء غير الحب، وسوف يضاء العالم بمشاعل الفرح.