نخطئ لو تصورنا أن عصرنا هو عصر الحداثة الصرفة، والتي هجر فيها الإنسان الخرافة، ونبذ الأسطورة، على العكس تماماً، فما زال هذا الإنسان الحديث يئن تحت وطأة أثقل الخرافات فجاجة وسماجة، ولم يعد ذلك الإنسان الصافي كما نعتقد ونتصور، لأن الأمر لا يتعلق بمدى ما يتمتع به إنساننا من تقنيات حديثة، وإنما هو ذلك التعلق التاريخي بما هو غريب ومبهم ووهمي.
الإنسان اليوم انتقل فعلياً من بدائية الآلة إلى الحداثة، والرائقة جداً، ولكن كما قال فرويد: إنه الإنسان الحديث الذي ما زال يحتفظ بجزئية إنسان الغاب، والدليل أن هذا الإنسان المتطور مازال يحتفظ بوعيه الواسع بما تخبئه له الصباحات الباكرة من مستجدات، والموضة، واليانصيب، والمقامرات، وألعاب البهلوان، كل ذلك هو نسيج مطاطي متمدد من زمن البدائية إلى زمن الحداثة، فعندما نجد الإلحاح على وسائل التجميل الصناعية، وتنكرية الملامح والخصائص الجسدية، والسعي حثيثاً نحو الصرعات، هي في النهاية جزء لا يتجزأ من الخرافة التي يطبعها العقل على الإنسان، لتصبح سلوكاً اعتيادياً لا مفر منه. فالآن تشكو بعض النساء من غزو الفشنستا، أسواق الدعاية، وهذا يعتبر حرباً ضروساً على الحياة الزوجية، فليست كل نساء العالم يمتلكن القدرة على أن يصبحن فشنستا، الأمر الذي يضعهن بين خيارين، فإما أن يكن كذلك، أو يصبحن مهددات من قبل أزواج عيونهم محملقة دائماً في الفراغات المدهشة. وهذا في واقع الأمر يجعل من خرافة القرن الحادي والعشرين، أمثولة لا تقارن بخرافات القرون السابقة. إذن نحن أمام ظواهر تحوّلت إلى أساطير وخرافات اجتماعية، لا تحتاج إلى معالجات سطحية بقدر ما تحتاج إلى غرس طيب، مبني على تربية اجتماعية يساهم فيها ذوو الاختصاص، والذين لديهم القدرة على تقصي الفعل والفاعل، والتفاعل مع الحدث الكبير بما يلائم حجمه وأهميته بالنسبة للمجتمع.
فالخرافة لا تطارد بالخرافة وإنما بضدها، وضد الخرافة ليس نكرانها، وإنما مجابهتها بعقلانية مبنية على معطيات الفكر المتحرر من الحوارات المبتورة، والمتجرد من النقاشات الأشبه بصورة «بابا درياه» في أذهان الأطفال.
نعم نحن ممتلئون بأشكال الخرافة المتخلفة، ولذلك نحن بحاجة إلى معالجات منطقية وليس صراخاً يتبعه نحيب وعويل.