في القرن التاسع عشر، كان الشيخ زايد بن خليفة بن شخبوط آل نهيان (زايد الأول)، رحمه الله، يستقبل ضيوفه في برزته بقصر الحصن، ويلتقي شيوخ القبائل، وسكان المناطق المجاورة لجزيرة أبوظبي، ويحاورهم في شؤونهم، ويقضي حوائجهم، من موقعه حاكماً لأبوظبي، وزعيماً من زعماء شبه الجزيرة العربية.
ظلت البرزة من مكونات المشهد الوطني الإماراتي، في عهد الأب المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وحافظت على جوهرها في تقاليد الضيافة والكرم، ومواجيب العرب، وتطورت مع المظاهر والتفاصيل الحياتية، لتكتسب تنظيماً عصرياً، لكن قيمتها ظلت كما هي: القائد يفتح بيته لضيوفه وأهله، من مختلف شرائح المجتمع الإماراتي، بمواطنيه ومقيميه.
وعلى نهج السلف، ومواجيب العرب، تحولت برزة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في قصر البحر، إلى لقاء وطني، عميق الصلة بتراث الأجداد، يرسم شكلاً ومضموناً مختلفين لعلاقة الإماراتيين بقيادتهم، إِذْ لا حواجز، ولا إجراءات معقدة.
البرزة مفتوحة للجميع ضمن إطار تنظيمي ميسّر، وهذا اللقاء في المعنى والدلالة، لم يتغير، منذ «برزة قصر الحصن» إلى «برزة قصر البحر»، التي يجالس فيها سموه ضيوف الدولة من كبار الشخصيات والعلماء والسياسيين والمثقفين من مختلف دول العالم، إلى جانب قادة العمل العام في الدولة، والمواطنين القادمين من مختلف إمارات الدولة، فهذا الحدث الأسبوعي أصبح تقليداً اجتماعياً راسخاً، ودائماً ما يثير اهتمام الضيوف القادمين من ثقافات وبلدان مختلفة.
يجد الضيوف نمطاً مغايراً لما يعرفونه في بلادهم عن سهولة لقاء الناس بالقائد، فهو هنا يستقبلهم في بيته. يجد الضيف نفسه مرحّباً به من جميع مواطني الإمارات وسكانها، ففي برزة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تحضر الفعاليات النسائية، ويحضر العلماء ورجال الدين، وكبار المواطنين، وأصحاب الهمم، والرياضيون، والشباب، إلى جانب الوزراء ومديري الدوائر والإعلاميين، ودائماً تجد مجموعة من المواطنين قدموا من الفجيرة أو الذيد أو خورفكان لحضور البرزة.
يكتشف الضيف القادم من بلاد لا تعرف لغتنا وطباعنا وقيمنا سراً من أسرار نجاح الإمارات، وهي تحافظ على جذورها، وتعلو في الحضارة، ويستطيع الحديث مع كثير من الأطياف السياسية والثقافية والاجتماعية، ولقاء أصحاب السمو الحكام، وأولياء العهود، وشيوخ الإمارات، وسيكون الأمر متروكاً له في فهم ما يراه، غير أن هذا ما يحدث في بلادنا فعلاً، وهذا ما نشأنا عليه جيلاً بعد جيل.
ففي العام 2015، أعاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المكانة التاريخية الرفيعة لـ «برزة قصر الحصن»، وأحياها في إطار تحفة معمارية ساحرة، ضمن مهرجان قصر الحصن، المستمر في إدهاش متابعيه سنوياً بروائع كنوزنا التراثية، ويواصل سموه سيرة الأجداد في الحفاظ على المجالس الاجتماعية، والحرص على دورها في الحوار والتشاور والتعلم.. وذلك من نِعم الله على بلادنا.