احتفاء بمصر وتميزاً بحب مصر هو هذا الذي يحدث في معرض أبوظبي للكتاب.
فليس حب مصر ظاهرة عابرة، بل هو حالة شعورية نعيشها ونمارسها في حياتنا الإبداعية ونحن نطل على نهر النيل من خلال عيون اللاتي زرعن سنابل الحب في قطرة من قطرات هذا العملاق، والذي تحدث عنه هيرودوت قائلاً: «مصر هبة النيل»، والنيل اليوم يتسرب في وجداننا وعياً بأهمية أن نكون مصريي الهوى وعشاقاً نتتبع صوت كوكب الشرق في موجات الهواء ونمضي مع العقاد في عبقرياته التي درسناها صغاراً ولم تزل تتحكم في اعتزازنا بهذا العملاق المهم في التاريخ الفكري لمصر والعالم العربي، ثم نعرج على (أيام) طه حسين ونقرأ فيها ملحمة الحب والحياة ومضامين ما أبداه عميد الأدب العربي وما أسدته لكل من يحب الحياة مهما كانت عالقة في طرقات الإنسان الشقي والمتسائل دوماً عن اسمه الذي خبأه الليل في معطف شتائي صوفي سميك.
مصر اليوم والأمس وغداً تبقى في الوجدان «أم الكتاب» الذي قرأناه بعدما فرغ من كتابته نجيب محفوظ، وبعدما أنهى توظيفه  ثم إلى المطبعة، وبعد ذلك وجدنا أنفسنا ندمن على هذا الروائي المنغمس في الحارة المصرية كما هي البراءة في وجوه الحادبين في سبيل النفس الشغوف بما هو شطيرة مطوية على لقمة ممزوجة بلمح الحياة.
هذه مصر العزيزة، هذه مصر المفطورة على انتمائها الإنساني قبل كل شيء، وهذه هي مصر التي احتضنت كل الحضارات والثقافات قبل أن يعرف العالم سر الكلمة وسحرها وسبرها، وهذه هي مصر التي جاءت عبر النيل العظيم لتسكن في وجدان الناس أجمعين وتنهل من حبهم ببراءة القطنة البيضاء وعفوية حبة السكر، وهذه هي مصر التي دخلناها في عمر الزهور، فكانت خير مدخل وأجمل محفل، واليوم نستدعي الذاكرة ونسحب سلسال الذهب من ثنيات العمر،  فنجد مصر كما هي متمكنة من مشاعرنا، متحكمة من حبنا، وكلما أدبرنا أقبلت، وكلما ولينا وجوهنا فثمة مصر تشع ببريق الفرح وتمنح وجودنا قيمة لا تساويها إلا قيمة النيل المتربص بأبصارنا وينظر إلينا بعيون كل المصريين الذين يحبون الإمارات كحبهم لمصر، وهذا أمر طبيعي لأن هذا الشعب كائن يسكنه الحب من أخمص القدمين حتى قمة الرأس، هذا الشعب الحب في شيمته  كالماء والهواء، الحب في وعيه رسالة السماء إلى الأرض يوم قال الله لعبده موسى عليه السلام (فاخلع نعليك إنك بالوادِ المقدس طوىً)، ولم يزل المصري العريق يذهب إلى الحياة بلا معاطف تخفي ولا حجب تمنعه من رؤية الخالق وكل آياته في الأرض.
هذه مصر، هذه المبتدأ والخبر، هذه مصر النعيم والأثر، هذه مصر الصون  والصيت والصوت والجذر، هذه مصر في حياتنا أصل وفصل من فصول حياتنا، وهي في الحياة نحلة الشهد ونافذة السعد، وعندما ترتقي مصر ترتفع هامات العروبة، وعندما تسعد مصر يستعيد العالم العربي زهرة اللوتس، فينتشر الشذا وتعم السعادة.